Site icon IMLebanon

عن المتوجّسين من تحالف الحريري – باسيل

كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”: 

 

الخلاف الذي ظهر إلى العلن بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، لم يغيّر كثيراً في المشهد العام الذي يسيطر على الساحة السياسية منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. “التسوية” بين الطرفين قائمة… مهما كثر المتوجسون منها.

ولا تزال أصداء ما قاله باسيل خلال لقاء في ميرنا الشالوحي تتردّد: “الحريري ضعيف وهذا هو الوقت المناسب لتحصيل ما نريد من المكاسب”. يُذكر هذا الخطاب في الصالونات السياسية، ويقابله قول “المستقبل” بـ “لن نكون ماسحي أحذية في جمهورية باسيل”. لكن على الرغم من هذا الخطاب، الذي تعج فيه مجالس الطرفين، يستمرّ تحالف الحريري – باسيل.

هذا التحالف الذي انطلق من باريس ليبنى على شقين. الشق الأول انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتسمية الحريري رئيسا للحكومة، وهو ما يعرف حاليا بالتسوية. أما الشق الثاني فهو الاتفاق الداخلي على التعيينات والصفقات. ولم يكن وجوده ممكناً لولا حاجة الطرفين إليه ولو بيّنت الوقائع وجود وجهات نظر متباينة بينهما. طرف يتحدث عن تعديل الطائف بالعرف، وآخر يعتبر تهميش الطائف إضعافاً للسنية السياسية. وقد نما على ضفاف هذا التحالف شعور أطراف عدة، وإن بنسب متفاوتة، بأنها باتت مقصيّة أو مهمشة.

أولى الجهات المتوجسة هي “القوات اللبنانية”، لافتراضها أن طريقها إلى رئاسة الجمهورية مسدود، فيما هو معبّد أمام باسيل. فالأخير، في حال تولى الرئاسة لسنوات ست، سيساهم بلا شك في إضعافها فضلاً عن التهميش الذي سيطالها في التعيينات الإدارية وفي الصفقات التي لا يستفيد منها إلا مجموعة الثنائي والمحسوبين عليهما. والاعتبار ذاته بالنسبة الى رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي يتجنب فتح سجال مع رئيس الجمهورية وزيادة طين العلاقة بلة مع باسيل ومن دون نتيجة تذكر. أما “الكتائب” فيتلهى في ازمته الداخلية ويتخبط في خلافاته في ظل غياب رؤية حزبية واضحة لديه. ما يعني أن أبرز المتضرّرين من التحالف هم من الساحة المسيحية، وهذا ما يفسّر خطاب باسيل المتكرّر عن “الدفاع عن حقوق المسيحيين” والاستئثار بالسلطة، بهدف إبراز نفسه الأقوى والأقدر على الساحة المسيحية ليبقى مرشحاً واحداً فريداً عندما تحين الساعة للإنتخابات الرئاسية.

الجهة الثانية المتوجسة والمتوترة من هذا التحالف هي رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي”، ولكن ليس لاعتبارات رئاسية وإنما لكونه جهة أضعفتها التسوية وقلبت أحوالها بعدما كانت جزءاً من ترويكا حفظت له حصته من المسيحيين، فبات اليوم خارجها. فقد خسر جنبلاط، إلى حصته المسيحية وجوده في التسوية ككلّ، والتي جاءت، في جانب منها، لتقيم تحالفاً بين الحريري و”حزب الله” كطرفين كبيرين (سنة وشيعة) ليس جنبلاط ثالثهما، ولذلك هو لم يُستشر برئاسة الجمهورية ولا برئاسة الحكومة ولا بقانون الانتخاب. ويكتمل مُصاب جنبلاط بنمو فريق درزي قوي على الساحة الدرزية، متحالف مع “حزب الله” وباسيل. ولولا خطأ “حزب الله” في الانتخابات الأخيرة لكان الوزير السابق وئام وهاب فاز بمقعد مروان حمادة في البرلمان. صار جنبلاط هامشياً من وجهة نظر خصومه لكنه يبقى جزءاً من معادلة داخلية لا يمكن تجاوز حيثيتها.

الجهة الثالثة هي حركة أمل، لكن يبدو أن الرئيس نبيه بري أقلّ المتوجسين. تحالف الطرفين لا يعرّضه للخسارة، بسبب قوته الذاتية من موقعه كرئيس لمجلس النواب عدا عن قاعدته الشعبية، وحاجة الحريري المستمرة إليه خصوصاً حين يختلف مع “حزب الله”، وبهذا المعنى يشكل حاجة للسعودية أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، لا يؤثر على متانة حلف الثنائي الشيعي أي تحالف مقابل، وهو يتقدم بالنسبة الى “حزب الله” على أي تحالف آخر.

الجهة الرابعة هي “حزب الله”: له قراءة مختلفة لهذا التحالف تبدأ من الاسم. بالنسبة إليه فإن التحالف المتين الذي تنطبق عليه شروط التحالف يكون اتفاقاً شبيهاً بتفاهم مار مخايل، وتحالف الثنائي الشيعي، حيث يوجد ما يكفي من قواسم مشتركة “عرفنا العدو والصديق وتحدثنا عن الإصلاح والتغيير” فهل ترقى علاقة الحريري وباسيل الى هذا المستوى من التحالف؟

“مشكوك في الأمر” بالنسبة إلى “حزب الله”، نظراً إلى كثرة الخلافات الموجودة بين الطرفين والتي ظهرت تباعاً في تشكيل الحكومة ثم في الموازنة مروراً بالتعيينات، ما استوجب جلوس الطرفين معاً مراراً وتكراراً لحلّ المشكلات العالقة. لذلك لا ينظر “حزب الله” بريبة الى مثل هذه المناخات بل “نشجعها في اطار الحفاظ على التسوية”. وهو نصح باسيل، بتخفيف اللغة الطائفية وتقليل العداوات، قيل له “سليمان فرنجية ضدك وكذلك جنبلاط والكتائب والقوات والمر وسكاف، والبيئة السنية خارج الحريري. اهدأ وقلّل عداوات”.

الجهة الخامسة: وهي فئة من المسيحيين الآخرين تضرّرت لكونها أُخرجت من التسوية أو زادها التحالف تهميشاً مثل “الأحرار” أو شخصيات مسيحية مستقلة، إلا من نجح جبران بتحييدهم كالنائب ميشال معوض ووليام طوق.

الجهة السادسة: وهي فئة لم يتمّ التنبه لوجودها أو التحدث عنها وهي جزء من البيئة السنية المعترضة بقوة على هذا التحالف.

في المقابل، ثمة اعتراض على الحريري من داخل بيئته السنية، إذ يُلام لأنه “سمحت لباسيل المستقوي بـ “حزب الله” أن يميل دفة التحالف لصالحه بحجة العرف أو موازين القوى”. وهنا يسأل أحدهم: “ما الجدوى من الطائف إذا؟”، مستذكراً ثنائية رئيس الحكومة رفيق الحريري ورئيس الجمهورية الياس الهرواي بعد الطائف، والتي مالت دفتها لمصلحة السنّة “لنصبح اليوم أمام تحالف يلعب فيه باسيل دور القوي مقابل الحريري الضعيف”. والدليل على ذلك “إصرار باسيل على تسمية 11 وزيراً لإحكام سيطرته داخل مجلس الوزراء، وفرض قراره في التعيينات وقضايا متعددة أخرى مقابل تنازل رئيس الحكومة عن صلاحياته”.

يريد باسيل ان يكون زعيماً مسيحياً، لا يبدو انه أنصت لنصيحة “حزب الله”، وقد بات الجميع مُربكاً في التعاطي معه، يراكمون اخطاءه بانتظار أن تقف عند حدّ معين، خصوصاً مع وجود توازنات داخلية لا بد لمن قرأ التاريخ واستند اليه ان يحافظ عليها ويُدرك انها عصية على التغيير أقله في الوقت الحاضر.