Site icon IMLebanon

حوادث قبرشمون كانت متوقّعة؟!

لم يتفاجأ مَن يراقبون التطورات السياسية اللبنانية من كثب، بما حصل أمس في الجبل. فشبح “الفتنة” الذي لاح طيفه في قبرشمون، كان ظهوره متوقّعا، بحسب هؤلاء، كون العناصر المطلوبة لهذا السيناريو المخيف، متوافرة، وتتراكم وتتجمّع، منذ مدّة، وهي تمهّد لوصول البلاد الى المشهد السوريالي الذي ارتسم مساء في عاليه.

أول هذه العناصر، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، هو فقدان الدولة هيبتها وقدرتها على فرض كلمتها، والقانون على اراضيها. وهنا، الامثال لا تُعدّ ولا تحصى، من حوادث 7 ايار 2008 وصولا الى حوادث الجاهلية في كانون الثاني الماضي.

حينها، حاولت الدولة القيام بواجباتها لناحية تسليم مذكرة جلب الى رئيس حزب التوحيد وئام وهاب في بلدته، بعد ان وجّه سهاما لاذعة الى المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان. فما كان من أنصاره الا ان فتحوا نيرانهم على دورية شعبة المعلومات وعناصرها، فعادت أدراجها. وبدل ان يُحاسب هؤلاء على فعلتهم كما يجب، وبدل ان تمضي الدولة وأجهزتها حتى النهاية في ملفّ وهّاب، تعثّر هذا المسار، وتمت الى حد كبير “ضبضبة” أوراقه، فأظهرت بانكفائها هذا، عجزا كبيرا من الطبيعي ان تدفع البلاد برمّتها ثمنه، من أمنها واستقرارها. فطالما لا عقاب او محاسبة، استسهالُ اللجوء الى السلاح وأخذُ كل مواطن حقّه بيده، يصبح امرا “عاديا” غير مستغرب.

ثاني مكوّنات طبخة “الفتنة”، الخطاب الاستفزازي عالي السقف. العلاقات بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، لا تمرّ منذ فترة، بأفضل ايامها، بل على العكس. والخلافات بينهما كثيرة وتبدأ من تباعد في مقاربة ملف الجبل وعودة المهجرين اليه، الى النظرة الى ادارة الدولة التي لا ينفك رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط ينتقدها، مصوّبا على العهد الذي يعتبره فاشلا وعلى ما يسمّيها “تسوية الذل والاستسلام”. ووسط هذه الاجواء المحمومة بالذات، قرر رئيس التيار الوزير جبران باسيل امس زيارة عاليه. وأبى الا ان يدخل المنطقة على وقع كلام بدا أشبه بصّب للزيت على النار، وفق ما تقول المصادر، وقد نبش فيه صفحات “سوق الغرب وكوع الكحالة”. ولم تنفع مواقف باسيل لاحقاً التي أكد فيها عدم الرغبة في التصادم وتوجيه رسالة تعاون ومد اليد لكل صاحب خير لإنماء المنطقة وإعادة وجهها الحلو عشية موسم الاصطياف في “تلطيف” الأجواء، فكانت النتيجة إخراج “المارد” الاشتراكي من قمقمه، وانتفاضتُه في الشارع، على المواقف التي اطلقها باسيل ضدّه، من عقر داره.

أما ثالث مسببات حوادث قبرشمون، فتتثمل في حالة القلق التي يعيشها زعيم المختارة منذ ما بعد الانتخابات النيابية. فمحاولات التطويق التي يشعر بها، عبر تحجيمه سياسيا و”تكبير” حجم خصومه في البيئة الدرزية، بـ”جهود” أطراف داخلية وخارجية، يبدو انعكست على قاعدة “الاشتراكي” احتقانا وغضبا. ومع ان الوزير اكرم شهيب كان حاضرا منذ ظهر الاحد على الارض، محاولا تهدئة المناصرين، الا ان هذه المساعي لم تتمكن من منع انفجار هذا التوتر، على شكل اشتباكات مسلّحة، شارك فيها على ما يبدو، مؤيدو “التقدمي”. ومع ان قيادة الحزب دعت الى انتظار التحقيقات واشارت الى ان مرافقي الوزير صالح الغريب هم من بادروا الى اطلاق النار، تقول المصادر، ان ذلك لا يبرر في المقابل، لا المظاهر المسلحة ولا اللجوء الى القوة، اللذين حصلا امس، من قِبَل الحزب التقدمي، في الجبل. وبحسب المصادر، تفادي تكرار ما جرى بالامس يتطلّب عملا من القادرين على الحل والربط، على معالجة هذه النقاط الثلاث. اما اذا احجموا عن ذلك، فليتوقّعوا فصولا جديدة من “الفلتان”، وربّما أكثر، في قابل الايام. حمى الله لبنان من الاسوأ…