كتب هيثم زعيتر في “اللواء”:
كشفت مصادر رفيعة الاطلاع لـ«اللـواء»، حقيقة ما جرى من اعتداءات في كازاخستان، استهدفت مُهندسين وعمّالاً لبنانيين وفلسطينيين وأردنيين وعرباً، أمس الأوّل (السبت)، ما أسفر عن إصابة العشرات بجراح.
وتدخّلت السلطات الكازاخستانية لإجلاء المهندسين والعمّال العرب، من مكان عملهم في مُخيّم لحقول النفط، تعمل فيه شركة «CCC» في مدينة تينغيز، على بُعد نحو 2200 كلم من العاصمة نور سلطان، ونقلهم إلى قاعدة عسكرية تابعة لوزارة الداخلية الكازاخستانية في منطقة أتراو، على بُعد 200 كلم من مكان وقوع الحادث.
وأكدت المصادر أنّ ما جرى «عمل مُدبّر من قِبل مجموعة من «الغوغائيين» الكازاخستانيين، الذين ينتقدون الدولة، ويتحرّكون بهدف الإساءة إلى الشركات الأجنبية المُستثمرة هناك لطردها من البلاد، وخير دليل على ذلك، هو سرعة وأعداد العمّال الكازاخستانيين المُشاركين في الهجوم، وإنْ اتُّخِذَ مُبرر لتنفيذه استغلالاً لحادث ما».
فقد تباينت الروايات بشأن الذريعة التي كانت سبباً في شرارة الاعتداءات، بحيث ذُكِرَ أنّ ذلك يعود إلى نشر الشاب اللبناني إيلي داوود، صورة له عبر صفحته على الـ«واتس آب»، تظهر فيها زميلة كازاخستانية تعمل معه في الشركة نفسها، مع تعليق، وهو ما اعتُبِره الكازاخستانيون مسيئاً للآداب العامة والعادات في بلدهم، والعشيرة التي تنتمي إليها الفتاة، وهي من أصول «تاتارية»، على الرغم من اعتذاره عن ذلك عبر رسالة مُصوّرة قام بتسجيلها وبثّها.
ورواية أخرى تحدثت عن أنّ إشكالاً وقع بين مهندس أردني وأحد السكان المحليين في مدينة تينغيز، تطوّر إلى تحريض العمّال الكازاخستانيين ضد الموظّفين العرب.
لكن ما يؤكد أنّ العمل غير بريء باستهداف الموظّفين العرب، هو أنّ استهداف الأجانب تكرّر في الآونة الأخيرة.
ففي العام الماضي، اعتدت مجموعات كازاخستانية على عمّال أتراك، ما أدّى إلى مقتل 4 أتراك، وسبق ذلك هجوم على مواطنين أرمن بهدف طردهم، على الرغم من أنّهم يحملون جنسيات كازاخستانية.
وعلمت «اللـواء» بأنّ اجتماعاً سيُعقد صباح اليوم (الإثنين)، مع مسؤولين في وزارة الخارجية الكازاخية في مقرّها بالعاصمة نور سلطان، سيشارك فيه السفراء العرب لكل من: لبنان: جسكار خوري، فلسطين: الدكتور منتصر أبو زيد والأردن: يوسف عبد الغني، ونائب عميد السلك الدبلوماسي العربي السفير الكويتي طارق الفرج، لبحث هذا الحادث، ودراسة الخطوات المطلوبة لضمان سلامة المواطنين العرب، والتأكد من مُحاسبة المُعتدين، وضمان وعدم تكرار مثل هذه الحوادث، والتأكيد على العلاقات بين كازاخستان والدول العربية.
وقد استحوذ هذا الحادث على الاهتمام، من خلال سلسلة من الاتصالات، أجراها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري والمسؤولون في الخارجيتين الفلسطينية والأردنية، مع سفرائهم في العاصمة الكازاخستانية، وشركة «CCC»، حيث تدخّلت الخارجية الكازاخستانية ووزارة الداخلية.
وشملت الاتصالات أيضاً رئيس مجلس إدارة شركة «CCC» سامر سعيد خوري، والمسؤولين في الشركة نزيه عبد القادر وهشام كعوش.
وأكد المسؤولون الكازاخيون أنّه تمّت إعادة فرض الأمن، وأنّ جميع الموظّفين بخير، وقد قامت قوّات من التدخّل السريع في الجيش والشرطة، بإجلاء المهندسين والعمّال العرب من المُخيّم، ونقلهم إلى قاعدة عسكرية تتبع وزارة الداخلية.
وتمّت معالجة بعض الإصابات البسيطة في عيادات الشركة، فيما جرى نقل العشرات من المُصابين إلى المُستشفيات، حيث أُفيد بأنّ غالبيتهم إصاباتهم طفيفة، باستثناء واحد، حالته حرجه، وهو الذي ظهر في الفيديوهات يتعرّض للاعتداء المباشر عليه ببرميل وآلات حادّة.
يُذكر أنّه يتولّى رئاسة كازاخستان بالوكالة قاسم جومارت توكاييف، منذ تنصيبه يوم الأربعاء في 20 آذار/مارس 2019، إثر الاستقالة المفاجئة، التي تقدّم بها الرئيس نور سلطان نزارباييف (78 عاماً)، مع إبقائه على وظائف مهمة تؤمّن له دوراُ مؤثّراً في سياسة البلاد.
وبعدها انتُخِبَتْ إبنة الرئيس نور سلطان، داريغا، رئيسة لمجلس الشيوخ الكازاخستاني.
وأوّل خطوة اتخذها الرئيس المكلّف، كانت تغيير تسمية العاصمة «أستانا» لتصبح «نور سلطان»، على إسم الرئيس، الذي حكمها لنحو 30 عاماً.
السفير اللبناني
من جهته، علّق السفير اللبناني في كازاخستان جسكار خوري على «الصورة التي انتشرت بين اللبناني والفتاة، التي قيل بأنّها السبب المباشر خلف اشتعال الإشكال بين العمّال الأجانب والعمّال المحليين في كازاخستان»، بأنّه «ربما توجد أسباب أخرى، لكنّها حتماً لا علاقة لها بما قيل عن فيديو جنسي».
وأشار إلى أنّ «الحادث قد تكون له تداعيات، وقد شكّلت السلطات الكازاخستانية لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات، حيث تواصلنا مع الخارجية الكازاخستانية والأقسام المسؤولة عن الأمن، وتلقينا تطمينات بأنّهم يقومون بجهدهم لتأمين سلامة اللبنانيين».
وطمأن إلى أنّه «لا يوجد ضحايا ولا جرحى بين اللبنانيين، وهم يتواجدون حالياً في مركز الشرطة لتأمين حمايتهم ونقلهم وربما ترحيلهم إلى لبنان».
الحريري
وأعلن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، في بيان، عن أنّ الحريري طلب من الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير «التحرّك بسرعة وإجراء الاتصالات اللازمة لتبيان تفاصيل الإشكال المؤسف الذي وقع في إحدى الشركات في كازاخستان، بين بعض المواطنين هناك وأحد اللبنانيين، والعمل على تسهيل عودته إلى لبنان».
وأضاف المكتب: «على الفور أجرى اللواء خير سلسلة اتصالات شملت السلطات الكازاخستانية ومسؤولي الشركة والجالية اللبنانية، واطلع منهم على أوضاع الموظّفين والعمّال اللبنانيين في الشركة، وتبلّغ منهم أنّه تمَّ تطويق الإشكال الحاصل، والجهود متواصلة لإنهاء ذيوله نهائياً».
بدوره، أبلغهم اللواء خير بـ«وضع كافة إمكانيات الهيئة بتصرّف الجالية اللبنانية».
الخارجية الفلسطينية
إلى ذلك، أكدت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أن «مهندسينا وعمالنا العاملين في مواقع البترول التابعة لشركة الـ «CCC» الفلسطينية – اللبنانية في جمهورية كازاخستان بخير وأمان، وتم نقلهم إلى قاعدة عسكرية كازاخية قريبة حماية لهم».
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان لها: «إنّ سفير دولة فلسطين منتصر أبو زيد، وبتعليمات مباشرة من الوزير الدكتور رياض المالكي، تدخّل لتوفير الحماية للمهندسين والعمّال الفلسطينيين والعرب وغيرهم من الجنسيات العاملين في ذلك الموقع».
وأضاف البيان: «استطاع السفير أبو زيد من خلال تحرّكاته المُباشرة وعلاقاته المُميّزة، استجلاب قوّات التدخّل السريع في الجيش، لتوفير الحماية للعمّال المعتدى عليهم، وتمكّن من نقلهم أولاً إلى مكان مؤقت، ومن ثم نقلهم إلى قاعدة عسكرية لحين استكمال الإجراءات اللازمة لفض الاعتداء، لضمان عدم تكراره، بما فيه نقلهم إلى أماكن إقامة منفصلة عن أماكن إقامة العمّال الكازاخستانيين».
وأوضح البيان أنّ «السفارة تنتظر نتائج تحقيق السلطات الكازاخية، لمحاسبة المسؤولين على فعلتهم، وسيطالب السفير أبو زيد بتوفير الأمن والأمان في أماكن العمل وبضمانة الحكومة الكازاخية».
وأكدت الوزارة أنّ «هذا الحادث المنفصل يجب ألا يؤثّر على طبيعة العلاقات المميّزة التي تربط دولة فلسطين بجمهورية كازاخستان، خاصة أنّ الاعتداءات لم تكن تستهدف العمّال الفلسطينيين بعينهم، لكن شاءت الظروف بتواجد أعداد كبيرة منهم في ذلك المكان».
وقالت: «إنّها ستواصل وعبر سفارتها في نور سلطان، التعاون والتنسيق مع الخارجية الكازاخية للتأكد من اتخاذ كامل الإجراءات المطلوبة بخصوص هذا الاعتداء من تحقيق ومحاسبة وإجراءات كفيلة بعدم تكراره وبضمانات الدولة الكازاخية».
وإذ شدّدت الوزارة على أنّها تتابع أدق تفاصيل هذه القضية، قالت: «يُمكن لأي مواطن يرغب بالاستفسار عن أوضاع عمّالنا التواصل مع السفارة مُباشرة، وستقوم السفارة وبشكل دوري في تصدير بيانات توضيحية لأي تطوّرات تحصل لها علاقة بهذا الحدث».
الخارجية الأردنية
من جهته، أوضح الناطق الرسمي بإسم الخارجية الأردنية سفيان القضاة أنّ «الوزارة تابعت من خلال السفارة في نور سلطان، حادثة الاعتداء على مجموعة من المهندسين العرب بينهم أردنيون في كازاخستان»، مؤكداً أنّ «السلطات هناك تجاوبت، وأنّ الأمور أصبحت تحت سيطرة الأمن، حيث تمَّ نقل كافة المواطنين من تلك المنطقة إلى منطقة آمنة».