كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:
أي لقاءات تجري بين زوار لبنانيين سياسيين او غير سياسيين، مع مسؤولين اميركيين في الولايات المتحدة الاميركية، الّا ويكون «حزب الله» هو الطبق الرئيسي على الطاولة. ما يسمعه الزوار، من محدثيهم الاميركيين، لا يخرج عن إطار التأكيد بداية على «اللاّزمة» التي تتبنّاها الإدارة الاميركية، والتي تقول إنّ ما يهمّ واشنطن في لبنان هو استقرار هذا البلد ومساعدته في الحفاظ على وحدته الداخلية الهشّة.
لا يحمل الكلام الاميركي أمام الزوار اللبنانيين اي توجّه لدى الادارة الاميركية نحو أي مبادرة تجاه لبنان في الوقت الحاضر، يمكن ان تشكّل عاملاً مساعداً لهذا البلد، في الصمود أمام الأزمة الاقتصادية القاسية التي يعانيها، بل يحمل اشارات الى انّ واشنطن تتابع الوضع اللبناني من خلال تقارير تردها من السفارة في بيروت، مقرونة بتساؤلات تشكيكية عمّا اذا كانت الموازنة التي يجري إعدادها في مجلس النواب ستساعد في توفير العلاج اللازم للأزمة الاقتصادية في لبنان.
الّا انّ ما يسمعه الزوار في الشق السياسي، هو من النوع الشديد السخونة، وخلاصته:
اولاً، في الموضوع الايراني، هناك «تباين جزئي» داخل المجتمع الاميركي، في النظرة الى الملف الايراني. فمن جهة، الإجماع قائم للتضييق على ايران بمزيد من العقوبات القاسية، خصوصاً انّ «جرعات» العقوبات السابقة اثبتت نجاعتها، وألحقت بالاقتصاد الايراني اضراراً كارثية، ولن يطول الوقت الّا وسيبدأ الصراخ حيالها من قِبل فئات الشعب الإيراني «المقهورة»، بحسب التوصيف الاميركي، من «الحرس الثوري»، وهو أمر لا بدّ في نهاية المطاف ان يُحدث انقلاباً في الواقع الايراني الحالي.
ولكن من جهة ثانية، هناك تباين حيال توجيه ضربة عسكرية الى إيران بين المؤسستين السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة. واذا كانت ادارة الرئيس دونالد ترامب قد استجابت لنصائح عسكرية بعدم الذهاب الى العمل العسكري ضد ايران، الّا انّ هذه الاستجابة «موقتة»، اي انّ ترامب أرجأ الضربة العسكرية في الوقت الحاضر ضد إيران، والتي من المؤكّد انّها ستكون حتمية في وقت لاحق. فقرار الولايات المتحدة هو عدم السماح بتعاظم قوة إيران وامتلاكها السلاح النووي.
ثانياً، في الملف السوري، يتحدث الاميركيون بثقة عن انّ بلوغ الحل السياسي في سوريا بعيد، ما يعني ان الحرب السورية لن تحطّ اوزارها في المدى المنظور. فملامح هذا الحل لم تكتمل بعد، وقد لا تكتمل بسهولة، خصوصاً في ظل الصراع العنيف على خط موسكو وواشنطن في سوريا. ومن الغباء افتراض انّ واشنطن ستترك سوريا هدية لموسكو. يُضاف الى ذلك، انّه عندما يُسأل الزوار اللبنانيون عن ملف النازحين السوريين، يأتيهم الجواب بما يفيد بأنّ عودتهم «منسية»، وانّ «المبادرة الروسية» لإعادة النازحين لا مكان لها في جدول الاهتمامات الاميركية التي ترهن عودة السوريين الى وطنهم بالوصول الى الحل السياسي المؤجّل لا بل المعطّل. يقول الاميركيون:» لدينا تقارير تفيد بأنّ الكثير من السوريين الذين يعودون يتعرّضون لاعدامات وتعذيب جسدي من قبل قوات النظام السوري» .
ثالثاً، في ملف المنطقة، يقارب الاميركيون ما يسمّونها «خطة السلام لمنطقة الشرق الاوسط»، المعروفة بـ»صفقة القرن»، بأنّها دخلت حيّز التنفيذ لإنهاء زمن الصراع الطويل في هذه المنطقة، واذا كانت هذه الصفقة سترتد بفائدة على الاسرائيليين، فإنّها سترتد ايضاً على جيرانها، وعلى وجه التحديد على الفلسطينيين الذين يعانون من ضائقة اقتصادية خانقة. ومن هنا، فإنّ واشنطن تعتقد انّ الفلسطينيين سيوافقون في نهاية الامر على «صفقة القرن» لأنّها في مصلحتهم.
رابعاً، في الملف اللبناني، يبدو انّ الجعبة الاميركية ملأى بالملاحظات السلبية حيال الواقع اللبناني، خلاصتها:
– ارتياح اميركي من عدم مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى زيارة سوريا ولقاء الرئيس السوري بشار الاسد، فهذه خطوة تُسجّل للرئيس اللبناني، الّا انّهم لا يزالون يتحدثون بسلبية وعدم ارتياح من زيارة عون إلى موسكو في آذار الماضي. والتي لم تقدّم شيئاً للبنان.
– ثقة بالجيش اللبناني، وتأكيد بأنّ واشنطن ستواصل برامج دعمها له، لكي يتمكن من حماية استقرار لبنان، ولأنّ يكون السلاح في لبنان فقط في يد الجيش والمؤسسات الامنية اللبنانية الرسمية. وفي هذا المجال يتحدث الاميركيون بشيء من السخرية عمّا نُمِي اليهم منذ فترة من بعض القنوات اللبنانية، بأنّ لبنان قد يجد نفسه مضطراً إلى طرق الباب الروسي لتسليح الجيش اللبناني.
– إنزعاج اميركي من موقف لبنان حيال «صفقة القرن»، وكذلك رفضه المشاركة في ورشة البحرين، على الرغم من انّه احد اكثر المستفيدين من مكملاتها الاستثمارية التي تصل الى ما يزيد عن 6 مليارات دولار حاجته اليها ملحة ربطاً بوضعه الاقتصادي الصعب.
– رغبة واشنطن في ان ترى الحكومة اللبنانية قوية، والتقييم الذي يقدّمه الاميركيون في هذا المجال، يشير الى انّ الولايات المتحدة غاضبة من ضعف الحكومة امام «حزب الله»، الذي يُخشى من تحكُّمه بها. ويساعده في ذلك، الاحتضان الرسمي له واعتباره واحداً من المكونات اللبنانية وأحد ركائز المعادلة اللبنانية.
ويساعده ايضاً ما يصفه الاميركيون بـ»عدم التوازن» في الموقف اللبناني. فمن ناحية يقول اللبنانيون انّهم ملتزمون بـ»النأي بالنفس»، وانّه يسعى الى صداقات مع الجميع، إلّا أنّه في المقابل يغض النظر على «حزب الله»، وتدخّلاته في سوريا واليمن والعراق وكل المنطقة، وصولاً الى تكديس ترسانته التسليحية واعلانه ربط لبنان بإيران، وانّه سيفتح جبهة لبنان في حال حصلت تطورات على الجبهة الايرانية.
– إعتبار «حزب الله» عامل تهديد للاستقرار ليس في لبنان فحسب، بل لكل المنطقة. وما اعلنه الامين العام لـ»حزب الله» (السيد حسن نصرالله)، حول القدرات الصاروخية للحزب امرٌ يبعث على القلق، والمُستغرب هو صمت الحكومة اللبنانية حيال هذا الامر، وقد وصلت الى لبنان إشارات اميركية بهذا المعنى. وقبل ذلك كان هناك حديث مباشر حول الخطر الذي يشكّله «حزب الله» على لبنان والمنطقة خلال زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى لبنان، ولمس من الجانب اللبناني إجابات لم تكن مريحة، بل تدفع الى الغضب، عبر التأكيد بأنّ «حزب الله» واحدٌ من المكونات الاساسية في لبنان.
– المقاربة الاميركية لوضع «حزب الله» تواصل السير في اتجاه تصاعدي، وعلى ما يؤكّد المحدثون الاميركيون، فإنّ الحزب موضوع في عين الرصد الاميركية الحثيثة، ومردّ ذلك الى أنّ اسباب قلق واشنطن منه تتزايد، ومعركتها معه مستمرة، حتى يزول ما يصفه المسؤولون الاميركيون بـ»هذا الكابوس».
تبعاً لذلك، يقول الاميركيون إنّ سيناريو العقوبات السابقة على الحزب كانت ناجعة بقدر بسيط، وادّت الى إدخال «حزب الله» بضائقة مالية خانقة، الّا انها كما يقول الاميركيون كانت مرحلة اولى، تتطلب ان تتبعها اجراءات عقابية اقسى واكثر نوعية على «حزب الله» ، وهذا ما تسعى اليه ادارة ترامب وصولاً الى تحقيق الهدف، اي الى إضعاف «حزب الله» وانهائه.
خلاصة الكلام الاميركي في هذا المجال، انّ واشنطن لن تترك «حزب الله» يرتاح، بل ستزيد من ضغوطاتها عليه وستجعله يعاني اكثر مما هو يعاني اليوم. ويستحضر صاحب هذا الكلام ما حمله مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة تمويل الارهاب مارشال بيلّينغسلي الى بيروت منذ اشهر، حيث تحدث صراحة يومها عن انّ لبنان موضوع تحت المجهر الاميركي، وانّ على الحكومة اللبنانية وكذلك على الجهات المصرفية ان تقوم بخطوات تقوّض نشاطات «حزب الله». وكاشفاً أنّ المرحلة المقبلة ستكون الاقسى، إذ انّ الادارة الاميركية قررت حرباً قاسية ضد «حزب الله»، ليس بالضرورة ان تكون حرباً عسكرية، بل حرب مالية الكترونية قد تكون نتائجها اقسى بكثير من نتائج الحرب العسكرية.
يلاحظ الزوار اللبنانيون، كما ينقل احدهم، انّ المحدثين الاميركيين، وخلال تناولهم الحاد لموضوع «حزب الله»، يرون انّ على الجانب اللبناني ان يقوم بخطوات معينة ضد الحزب. اما جواب الزوار فيكون: «إنكم تطرحون ما قد يؤدي الى «حرب اهلية في لبنان».