Site icon IMLebanon

السلاح “يحمي العِرض”.. وباسيل لن يمرّ من هنا!

كتبت نوال نصر في صحيفة “نداء الوطن”:

أطلّ قرص الشمس أمس على قرى الشحار الغربي وعرمون والشويفات وقبرشمون وكفرمتى مملاً عكس غروب أمس الأول. وبدا الناس كمن استفاقوا من صفعةٍ أو من كابوسٍ. وحدها رائحة الدم في كلّ التفاصيل وشت أن حادثا مرّ من هنا!

أصواتُ زعماءٍ ونواب ترتفع من المذياع، تشتد غالباً… تفور… وشتان بين ما نسمع وما نرى. نعبرُ طريق المطار. تلفتنا عبارة دونت على جدار إسمنتي تقول “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”. نأخذ مفرق الشويفات. نستدير نحو عرمون صعوداً نحو قبرشمون. ثكنة الدرك في الوروار هي المكان الوحيد الذي ذكّرنا حتى اللحظة بوجود دولة. المير مجيد إرسلان. كمال بك جنبلاط. الشيخ رفيق الحريري وجوه فيها سكون. حتى الصور مختارة بعناية. فهل أخطأنا في الطريق؟ هل عاد الودّ الى المكان؟

إبريق الزيت

نصل الى قبرشمون. إسمٌ بشع فيه “قبر”. حاجزٌ أوّل للجيش، اللواء الثامن، يظهر. هنا حصل الحادث الكبير عصر يوم الأحد. والسيدة إسعاف، جارة المكان، وحدها توكلت بالكلام الى كلّ الصحافيين: “الله يلعن كل السياسيين الذين أوصلونا الى ما وصلنا إليه”. تبدأ بهذه العبارة وتختم بها. نسألها: أيّ سياسيين؟ من تقصدين؟ تدير ظهرها وتمشي. مختار قبرشمون لم يأتِ اليوم. المحال تنظف ساحاتها. سيارة مركونة جانباً من آثار الحادث. شاب مثل “الزنبقة”، بعمر 17 عاماً، ما زال في حال الخطر. إثنان من مرافقي الوزير قضيا. كلامٌ يتكرر كما أسطوانة إبريق الزيت.

الناس يتكلمون أحياناً في أشياء كثيرة يسمعونها “من الأذن الى الفم”. وحادث قبرشمون الأحد ذكّر الكثيرين بحادث الشويفات قبل عام وذهب ضحيته علاء أبو فرج. الحوادث من هذا النوع تتكرر مع فارق أن انتماء الشباب، الذين ذهبوا ضحايا مختلف.

نبش القبور

جبران باسيل، وزير الخارجية، هو بيتُ القصيد هذه المرة. لا صورة ولا يافطة ولا دليل الى أنه كان سيمرّ (أو مرّ) من هنا. الرجلُ غير محبوب والعداء له زاد كثيراً في الآونة الأخيرة بعد تصريحاته الكثيرة التي رأى فيها كثير من دروز لبنان إستفزازاً لهم و”نبشاً للقبور”. هكذا فسّر كل من التقيناهم الحادث. تفسيرٌ تكرر لكن هل هو دافعٌ حقاً لمنعِ أيّ كان من زيارة أيّ منطقة في لبنان؟

يقع منزل شيخ عقل الدروز نصر الدين الغريب (المحسوب على إرسلان ووهاب) في قلبِ كفرمتى. حارسان أمام المنزل “والشيخ لا يحبذ الكلام” في انتظار التطورات ليبني على الشيء مقتضاه. الطريق تطلّ على الباحة التي كان ينوي استقبال وزير الخارجية فيها. نحو عشرة رجال يبدون كمن يُحللون أحداثاً، وكثير من الكراسي البرتقالية. لون كراسي شيخ العقل نصر الدين الغريب برتقالية.

إستياء قديم متجدد

ثمة همس بين الجنبلاطيين عن استفزازٍ آخر مارسه عليهم الشيخ الغريب الذي قرر أن يستقبل جبران باسيل الذي رمى الدروز، منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة، بوابلٍ من الإتهامات وبسرقة أجراس الكنائس. وهؤلاء، ناموا على ضيم أيضا يوم أرسلت رئاسة الجمهورية دعوة شخصية الى الشيخ الغريب لحضور القمة العربية التنموية المنعقدة في بيروت بدل أن تتوجه بها الى الشيخ نعيم حسن. هذا التصرف اعتبره الجنبلاطيون يومها بداية محاولة استيلاء على بعض القرارات الدرزية وراءها جبران باسيل.

منزل الوزير صالح الغريب لا يبعد كثيراً عن منزل شيخ العقل. نقصد منزل الوزير الواقع في منحدرٍ شديد، التوجه نحوه من قِبل من لا يعرفون الأرض صعب. أمام المنزل نحو عشر سيارات وحارس وحيد وبندقية. ومعاليه ليس في المنزل.

كفرمتى تتمدّد الى دقّون وعبيه. مخيم شباب التيار هو في دقون وليس في كفرمتى، لكن اعتاد الناس على تسمية الأرض المحاذية لكنيسة مارالياس في دقون، حيث المخيم، كفرمتى. المخيّمون غادروا. أتوا السبت، سهروا حتى الفجر في حضور الوزير سيزار أبو خليل، و”هيّصوا” ولم يتوقع أحد أن يحدث ما حدث. الوزير أكرم شهيب إتصل بمدير فرع “الحزب الإشتراكي” في عبيه أيمن حمزة وطلب منه أن يتدبّر طريقاً فرعية كي يمر جبران باسيل عبرها الى كفرمتى. تمّ الأمر، على الرغم من الشعور بالإستفزاز، لكن ما حدث منعه من المرور.

إستقالة جماعية

هناك في كفرمتى، يسمع الدروز عن دروز آخرين يقطعون الطرق في بعلشميه، يهزون رؤوسهم مرددين: “هؤلاء يتبعون طلال إرسلان وهو تابع الى أجندات خارجية”. ويستطردون: “أكثر من 151 عضواً في “الحزب الديمقراطي” قدّموا قبل فترة إستقالاتهم”.

شاب ينتمي لـ “الحزب الديمقراطي” في كفرمتى يخبر من جهته عن يوم الحادث: “وصل المير مجيد الله يطول بعمره (ابن المير طلال إرسلان) لاستقبال الوزير باسيل. المير مجيد “إسم الله عليه” شاب بيجنن. وضعنا كراسي. حضرنا الشراب لكن الوزير لم يصل. “هشلوه”. ووضعوا صورة كبيرة لوليد بك مذيلة بعبارة: فخامة الرئيس”.

الإشتراكيون يعترفون برفعِ هذه الصورة التي أجبرت وليد بك على الإتصال ليلاً وطلب إزالتها. هناك، يتحدثون عن “شي غريب” حصل في ذاك النهار، ويتابعون أنّ الوزير الغريب متواضع جداً، يعبر بمركبته وحيداً، لكنه في ذاك النهار عبر برفقة 11 سيارة جيب والأسلحة في أيادي مرافقيه. لكن مرافقيه هم من قضوا في ذاك الحادث! ويجيب شاب بحدة وصل للتوّ: السلاح في منطقتنا يحمي العرض. السلاح موجود في كل البيوت ومن يرمينا برصاصة نرميه بعشر رصاصات والله حامينا.

في تلك القرى كلام كثير وتهديد بنشر فيديوهات ورسائل نصّية تغيّر كل المعادلات. هي الحربُ عادت تطلّ برأسها أم هو “قطوع ومرّ”. في الجبل هدوء وإن كان حذراً. دروز لبنان يعرفون جيداً أن الوقت ليس للحرب لكنهم يتمنون أن يعرف جبران باسيل “أن الدروز لا ينامون على ضيم”!