كتب حبيب معلوف في “الاخبار”:
لوضع استراتيجية لادارة قطاع المقالع والكسارات والمرامل وشركات الترابة وكل ما يتعلق بإدارة الموارد، لا بد – بعد دراسة إمكانيات الطبيعة اللبنانية – من معرفة الاتجاهات العالمية والاقليمية والاسواق والطلب… اضافة الى دراسة الاثر البيئي. ففي آخر تقرير للأمم المتحدة للبيئة، نشر في أيار الماضي، تأكد المؤكد لناحية ارتفاع الطلب على الموارد في العالم وتحديات الاستدامة في طرق الاستخراج والاستهلاك. وقد ناقشت الجمعية العامة الرابعة للبيئة التي عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيروبي في أيار الماضي (وشارك فيها وزير البيئة فادي جريصاتي) مسألة إدارة الموارد كقضية عالمية كبرى.
حدد التقرير الطلب العالمي على الرمال والحصى بما يتراوح بين 40 و50 مليار طن سنويًا، وكشف أن الاستخراج الكلي في الأنهار وعلى الشواطئ وفي الوديان أدى إلى فيضانات، وخفّض مستودعات المياه الجوفية او لوّثها، وزاد في تفاقم الجفاف. وشرح كيف أن أنماط الاستهلاك المتغيرة، وتزايد عدد السكان، وزيادة التوسع العمراني وتطوير البنية التحتية… زادت الطلب على الرمال والحصى ثلاثة أضعاف عما كان عليه خلال العقدين الماضيين. كما أدى إنشاء السدود وزيادة الاستخراج إلى خفض توصيل رواسب الأنهار إلى العديد من المناطق الساحلية، مما تسبّب في انخفاض الرواسب في دلتا الأنهار وتآكل الشواطئ بشكل متسارع وضرب الانظمة الايكولوجية البحرية واختلال النظام الغذائي للكثير من الكائنات البحرية الحية التي تؤمن ثلث الغذاء البشري.
ووفقًا للتقرير، يعد الرمل والحصى ثاني أكبر الموارد التي يتم استخراجها وتداولها من حيث الحجم بعد المياه. وبسبب عدم تنظيم الاستخراج في جميع أنحاء العالم، أصبحت المناطق المهمة للتنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية أكثر عرضة للخطر. كما اشار الى أن الاتجاه المتزايد للاستخراج غير المستدام وغير القانوني في النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية والمياه العذبة أصبح تحديًا مستدامًا وعالمياً، عارضاً لآثار الاستخراج على البيئات الأرضية والنهرية والبحرية.
بسبب كل هذه الإشكاليات حول العالم، منعت بعض الدول استخراج الكثير من الموارد لا سيما الرمل. واذ يتجه لبنان الى اتخاذ مثل هذا القرار نظراً الى قلة شواطئه الرملية ولوجود معظم المرامل في غابات الصنوبر المهددة أيضا… يصبح لزاما على المخططين والمعنيين بتنظيم هذا القطاع، التفكير في الاتجاهات العالمية، مع دراسة اجندات وخطط دول المنطقة والجوار، لا سيما امكانيات الاستيراد، مع تعاظم المخاوف لدى دول أخرى كان يمكن الاعتماد عليها كمصدر بديل عن الاستخراج المحلي.
وتتوقع تقارير عالمية مماثلة ان يصبح استخراج الرمال والحصى المرتبطين بصناعة الاسمنت، بسرعة، مسألة عابرة للحدود، تحتاج الى قواعد وضبط، وأن تعقد عاجلاً أم آجلاً مؤتمرات واتفاقيات دولية لضبط الاستخراج والاستيراد خصوصاً غير القانوني وغير المنظم. وستزداد هذه الاجراءات الحاحاً مع توقع ارتفاع الطلب بنسبة 5.5 في المئة سنويًا مع اتجاهات التوسع العمراني وتطوير البنى التحتية في البلدان النامية.
لا يؤثر استخراج الرمال والحصى غير المستدام على البيئة فحسب، بل يمكن أن تكون له أيضًا آثار اجتماعية بعيدة المدى. فإزالة الرمال من غابات الصنوبر يمكن أن يخفض مداخيل اساسية للمزارعين في مناطق عدة. كما يمكن لاجراءات تنظيم الاستخراج او الاستيراد القانوني (حسب المواصفات)، أن تزيد من اكلاف البناء، مما ينعكس سلبا على اصحاب الدخل المحدود. لذلك، على السلطات المعنية أن تاخذ الجانب الاجتماعي في الاعتبار، لا سيما التعامل بجدية مع اقتراح وضع ضريبة على الشقق الفارغة لوقف المضاربات العقارية، وعدم تسهيل البناء من دون ضوابط، وتشجيع البيع او الايجار مما يخفض من أسعار الشقق غير الطبيعي في كثير من المناطق ويساهم في حل أزمة السكن المتصاعدة. كما يفترض اعادة النظر بالسياسات السكانية واتخاذ الاجراءات الكفيلة بضبط الزيادة السكانية باستمرار، واعادة النظر في الكثير من السياسات المسماة «تنموية»، لناحية الاستمرار في تطوير البنى التحتية، خدمة لتجار السيارات الخاصة، بدل اعتماد سياسات نقل مستدامة تقوم على دعم النقل العام وإعادة إحياء سكك الحديد والنقل المشترك العام، اضافة الى وقف اعمال ردم البحر وتوسيع المرافئ وانشاء السدود السطحية المكلفة وغير الضرورية التي تتطلب الكثير من مواد البناء وتتسبب في تخريب الوديان والأنظمة الايكولوجية. كما تتطلب الإجراءات التنظيمية لهذا القطاع، انطلاقا من خلفيات استراتيجية تخفيفية، إعادة استخدام الردميات الناجمة عن الهدم، وحسن إدارة الردميات الناشئة عن الحفر… مما يساهم في تخفيف الطلب وضبط الاستهلاك وحسن الاستخدام ويخفف من الأضرار الناجمة عن هذا القطاع، قبل إعادة درس إمكانيات الاستيراد بطرق نظامية ضمن المواصفات.