كتبت رنى سعرتي في صحيفة “الجمهورية”:
بدأت تُطرح علامات استفهام حول خطورة التراجع في احتياطات مصرف لبنان في الآونة الأخيرة. ورغم انّ حجم الاحتياطي لا يزال كبيراً، الّا انّ الحاجة الى وقف النزف في وقت مبكر تبدو حيوية لتفادي الأسوأ.
أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ البنك المركزي لديه القدرة على تغطية استحقاقات الدولة بالعملات الأجنبية للعامين 2019 و 2020، ولا حاجة حالياً للقيام بإصدارات جديدة. مما يؤكد انّ لبنان لن يتخلّف عن سداد ديونه ولن يكون هناك حاجة لإعادة هيكلتها.
لكنّ قدرة مصرف لبنان واستعداده لتلبية احتياجات الدولة الآخذة في الارتفاع في مقابل تفاقم عجزها المالي، لن تكون مجانية ومن دون عوارض جانبية. فاحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية آخذ بالتراجع منذ نيسان 2018 حيث بلغ في كانون الثاني 2018 حوالى 43,821 مليار دولار وانخفض في كانون الاول الى 40,115 مليار دولار. اي انه تراجع في العام 2018 حوالى 3,706 مليارات دولار. (وفقاً لأرقام مصرف لبنان).
وقد وصل احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية في اواخر آذار 2019 الى 39,012 مليار دولار. ورغم انه ما يزال رقماً كبيراً، إلّا انه تراجع اكثر من مليار دولار في الاشهر الثلاثة الاولى من 2019. وكان احتياطي مصرف لبنان قد تراجع في أيار الماضي بعد أن سدّد المركزي استحقاقات سندات يوروبوند بقيمة 650 مليون دولار، في حين تستحق في تشرين الثاني 2019 سندات يوروبوند بقيمة مليار و250 مليون دولار، وبقيمة 2,5 مليار دولار في العام 2020.
بالاضافة الى ذلك، بلغ مجموع الاحتياطي الخارجي لمصرف لبنان، بما فيه الذهب، 50,918 مليار دولار (حتى نهاية آذار 2019)، لكنّ المركزي يلبّي في المقابل المطلوبات الأجنبية للبنوك والمقدّرة بحوالى 60 مليار دولار، رغم انّ جزءاً كبيراً منها لديه آجال استحقاق طويلة.
في النتيجة، انّ إجمالي احتياطات مصرف لبنان تخوّله تلبية استحقاقات الدولة في حال لم تستطع الاخيرة إصدار سندات جديدة. لكنّ هذا العبء الذي يتحمّله مصرف لبنان عن الدولة، منفرداً هذه المرّة، بعدما جنّب المصارف أيّ التزام للمساهمة في خفض كلفة خدمة الدين العام، سيكبّده في المقابل أضراراً عدّة، أوّلها استمرار انخفاض احتياطه من العملات الاجنبية والذي قد يؤدّي إلى تآكل الثقة في النظام المالي وفقاً لِما ذكرته وكالة «فيتش» في تقريرها الاخير، والى خفض تصنيف لبنان مع ارتفاع حصّة البنك المركزي من الدين العام.
مخايل
في هذا الاطار، قال الخبير الاقتصادي مروان مخايل انّ خروج الأموال من البلد هو من دون شكّ مؤشّر على تآكل الثقة في البلد، لكنه لفت لـ«الجمهورية» الى انّ احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية بدأ في الارتفاع الى المستويات الحالية بعد العامين 2009 – 2010 عندما بدأ ميزان المدفوعات يسجّل فوائض كبيرة، مشيراً الى انّ الاحتياطي قبل تلك الفترة كان في حدود 20 الى 22 مليار دولار فقط، «وكان النظام المالي فعّالاً».
وشدد مخايل على انّ احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية ما زال كبيراً، رغم تراجعه، وذلك مقارنة مع دول اخرى مثل مصر على سبيل المثال، التي تتمتّع باقتصاد ضخم، ويبلغ احتياطها من العملات الاجنبية حوالى 40 مليار دولار فقط. وفيما اكد انّ احتياطي مصرف لبنان ما زال كافياً لترسيخ الثقة بالنظام المالي، قال انّ الثقة مفقودة بالحكومة وقدرتها على حلّ مشكلة تنامي الدين العام، «ولهذا السبب تُعتبر الموازنة التي تتم مناقشتها حالياً، ركناً أساسياً لاسترجاع ثقة المستثمرين في البلد». ورأى «أنه في حال توصّلنا مع نهاية العام الى نسبة عجز بحدود 8,5 في المئة، فإنّ تلك الخطوة الايجابية هي التي ستؤمّن لنا أموال «سيدر»، التي بدورها ستساهم في عودة الثقة للمستثمرين وبالتالي دعم النمو الاقتصادي».
وقال مخايل انّ التصريحات التي أدلى بها في الفترة الماضية بعض السياسيين حول المهل والاشهر القليلة التي يملكها لبنان قبل الانهيار، أدّت الى زرع الخوف وزعزعة الثقة في البلاد وفي النظام المالي، علماً انها مغلوطة وغير دقيقة وقد ظهر ذلك جليّاً.
وردّاً على سؤال، أكد انّ استمرار تراجع احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية ليس سلبياً على المدى القصير او المتوسط، لكنه قد يتحوّل في حال استمراره على المدى البعيد، الى مؤشر سلبيّ حتماً، «لأنه لا يمكن الاستمرار في ظل العجوزات المسجّلة في ميزان المدفوعات منذ حوالى 7 سنوات، حيث انّ حجم خروج الاموال من البلد هو اكبر من حجم الاموال الواردة، وبالتالي لا يمكن الاستمرار على هذا النحو على المدى البعيد».
سويد
من جهته، قال الخبير الاقتصادي د. مازن سويد انه عند تسجيل ميزان المدفوعات فائضاً، يكون احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية مرتفعاً، ومع تسجيل ميزان المدفوعات عجزاً تكون الاحتياطات متراجعة. وأوضح لـ«الجمهورية» انّ العجز في ميزان المدفوعات يغطّيه مصرف لبنان. وطالما انّ هذا العجز مستمرّ، فإن احتياطي مصرف لبنان سيستمرّ في التراجع.
وبالنسبة للتداعيات، أشار سويد الى انّ استمرار تراجع احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية، سيؤدي الى عدم قدرة البنك المركزي في المحافظة على استقرار سعر صرف الليرة من خلال تدخله في السوق وضَخّ الاموال. وفيما لفت الى انّ حجم احتياطي مصرف لبنان ما زال كبيراً، شدّد على انّ عدم معالجة المشكلة في بداياتها لا يعني انها لن تتفاقم.
واعتبر سويد انّ إقرار موازنة 2019 بسرعة في مجلس النواب، هو الحدّ الأدنى المطلوب اليوم، لأنّ السياسة النقدية لم تعد قادرة وحدها على حمل وزر الاقتصاد كلّه. لافتاً الى انّ أي نسبة عجز في الموازنة تفوق 8 في المئة، ستكون مؤشراً سيّئاً جداً.
وختم: في حال لم يكن هناك أي إصلاح مالي جذري وجدّية في التعاطي مع الوضع الاقتصادي، فإنّ تصنيف لبنان متّجه نحو التخفيض حتماً.