كتب هديل فرفور في صحيفة “الاخبار”:
“غزو” المسبح الشعبي في الرملة البيضا الذي نفّذته بلدية بيروت قبل أسبوعين سببه وجود مشروع “سياحي” جديد يقضي على المتنفس المجاني الوحيد لأهالي المدينة. هي «الخلاصة» التي لمحّت اليها الجمعية المكلفة بإدارة المسبح، الثلثاء، مستعرضة الوقائع التي «تعرّي» بلدية بيروت التي لا تزال تغضّ النظر عن تعدّيات فادحة تطال الملك العام.
عندما «أغار» عناصر شرطة بلدية بيروت، في 15 حزيران الفائت، على المسبح الشعبي في الرملة البيضا بحجة «إزالة المخالفات»، لم يأخذوا في الاعتبار موسم بيض السلاحف البحرية واحتمال وجود أعشاش لها، ولا النباتات المستوطنة على الشاطئ. والأهم أنّ العناصر، ومن خلفهم بلدية بيروت ومحافظها، لم يتنبّهوا ــ أو ربما تجاهلوا عن عمد ــ أن التجهيزات والمنشآت التي تم جرفها، يعود جزء منها لوزارة الأشغال العامة والنقل، فيما تملك القسم المتبقي جمعية «حملة الأزرق الكبير» المرخّص لها إدارة المسبح المجاني للعموم.
الإنطلاق من هذا المدخل يُعدّ ضرورياً لفهم سياق ما قامت به بلدية بيروت من تدمير لغرفة إسعاف السلاحف البحرية وجرف الممرات المتحركة المصنوعة من جزيئات البلاستيك، فضلاً عن تدمير معدّات تنظيف الشاطئ وجرف مركز إدارة المسبح الذي تتولاه الجمعية التي عقدت، أمس، مؤتمراً صحافياً بعنوان «الرملة البيضا محمية» بالتعاون مع جمعيات بيئية، لـ«بيان كل الحقائق حول مسبح الرملة البيضا وحول الحملات المُضلّلة وغير المبررة (…)».
ولعلّ أهم ما كشفته الجمعية وجود «مشروع جديد يقضي على المسبح المجاني للعموم، خلافاً لما أعدّت له وزارة الأشغال»، وفق ما «نُمي» إلى الجمعية، واضعةً ما قامت به البلدية في سياق «تطفيش» الجمعية وتشويه سمعة الشاطئ.
واستعرض المؤتمرون جملة من المغالطات التي رافقت حملة البلدية، أهمّها تلك المتعلّقة بوجود اتفاق بين رئيس البلدية جمال عيتاني والمدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي لإزالة المخالفات، إذ نفت الجمعية هذا الأمر، موضحة أنه تم الاتفاق على إزالة «دوش» و«غرفة حمام تالفة ونقل حمامات من موقع إلى آخر لا غير».
وهذا الكلام ينسجم مع ما قاله القيسي في اتصال مع “الأخبار” حول عدم “وجود تنسيق مع الوزارة في هذا المجال”، لافتاً إلى أنه كان يتمنى أن يتم التنسيق مع المديرية، ومُشيراً الى أن الأخيرة ستقوم بمعالجة الموضوع وفق القوانين المرعية الإجراء.
وكانت المديرية العامة للنقل البري والبحري قد بدأت تنفيذ برنامج «المسابح المجانية للعموم» عام 2001، وقد رخّصت في ما بعد لـ«حملة الازرق الكبير» إدارة المسبح وصيانة معداته والقيام بالترتيبات اللازمة. وقد سُمح لها إدارة المسبح وصيانة معداته والقيام بالترتيبات اللازمة والسماح لها بوضع أكشاك لبيع المأكولات الخفيفة والمشروبات ومستلزمات السابحين لتأمين نفقات إدارة المسبح.
أمّا الحديث عن أن المنشآت غير قانونية وأنها على أملاك خاصة فهو غير صحيح، وفق مدير المسبح نزيه الريس الذي أوضح أن المنشآت «وضعتها وزارة الأشغال العامة والنقل»، مُشيراً إلى أن هناك اتفاقاً بين الوزارة ومالكي العقار لاستعماله.
عيتاني أوضح في اتصال مع «الأخبار» أنّ محافظ المدينة القاضي زياد شبيب مخوّل الردّ على الشق القانوني المتعلّق بمدى قانونية عمل الجمعية على الشاطئ، موضحاً أن «هدفنا كان تنظيف بعض المخلفّات الناجمة عن إدارة المسبح»، ومُشيراً الى أن الجمعية «تتقاضى بدلات من رواد المسبح، وهو أمر يتنافى ومفهوم المجانية». وأضاف في هذا الصدد «نحن حريصون على أن يدخل الناس الى المسبح بشكل مجاني بالكامل، وسنقوم بإضافة بعض التجهيزات لإرسائه مسبحاً مجانياً مفتوحاً. هذا الامر قد يؤثر على الجمعية التي تستفيد من الوضع القائم».
ماذا عن نية البلدية القيام بمشروع جديد يقضي على المسبح؟ «هذه أصلاً عقارات خاصة وقد تم وضع اليد عليها من قبل البلدية وممنوع ضرب مسمار فيها»، مكرّراً أن هدف البلدية كان «تحسين مستوى المسبح الشعبي».
في المقابل، تردّ الجمعية على هذه الوقائع بالقول إن الحصول على الكرسي هو «اختياريا وليس إلزامياً وبسعر رمزي وهو 3000 ليرة، والطاولة مع 4 كراسي هو 20 الف ليرة لا غير. والمظلات المتحركة وليست المزروعة على الشاطئ إيجارها 5000 ليرة لا غير، بينما المظلّات الحديدية المزروعة لا يوجد قيمة تأجيرية عليها».
وحاولت “الأخبار” التواصل مع القاضي شبيب إلا أنه لم يردّ على اتصالاتها.
إلى ذلك، وصف الريّس الحديث عن أن المنشآت كانت بؤرة للجرذان والمخدرات والدعارة بـ«الإفتراء»، موضّحاً أنّ «الإدارة كانت تعمل دائماً بمؤازرة من الاجهزة الأمنية بشكل يومي على ضبط الوضع»، ولافتاً الى أنّ «الغرف التي تم رفعها من قبل البلدية كانت غرفاً للإدارة والدرك وللإسعافات الأولية، وأن الجرذان موجودة في منطقة الصرف الصحي الذي استحدثته البلدية عام 2008 وليس في الأماكن التي يرتادها زوار الشاطئ».
وأمام الوقائع التي استعرضها المؤتمر، ازداد عمل البلدية غرابةً، وبات يطرح تساؤلات، إن لم تعزّز (هذه التساؤلات) تلميحات الجمعية حول وجود مشروع جديد يقضي على المسبح، فهي حتماً تشكك في نيّة البلدية تحسين مستوى المسبح الشعبي المهمل منذ أكثر من عقد.
هذه التساؤلات تعزّزها استنسابية البلدية في ما تُسمّيه تطبيق القوانين. ففي وقت تدمّر فيه منشآت مستخدمة من العموم تحت ذرائع مختلفة، لا تزال تغضّ النظر عن العدد الأكبر والأفدح من التعديات والمخالفات الحاصلة على الملك العام من قبل أصحاب المقاهي والمنتجعات. وما فندق “الإدين باي”، المنتصب على بعد أمتار من المسبح الشعبي، الا دليل على تلك الاستنسابية والتناقض المنتهج من قبل البلدية.
«بيروت مدينتي» أشارت بدورها الى أن بلدية بيروت سمحت، أخيراً، لفندق الريفييرا بإنشاء مقهى من دون تصريح، كما سمحت لمطعم «غراند كافيه» ببناء ما لا يقل عن خمسة أمتار فوق المستوى المسموح به (..) «بينما تعاقب حملة الأزرق الكبير المرخص لها من قبل وزارة الاشغال العامة لتقديم الخدمات الاساسية على مسبح الرملة البيضا التي تخلفت البلدية عن تقديمها طوال السنوات الماضية (..)». وأضافت: «من الواضح أن بلدية بيروت تستنسب في تطبيق القانون وتستعمله كأداة فقط ضدّ الفقراء وذوي الدخل المحدود بدلاً من تشجيع وتسهيل استخدام العام للشاطئ واستعادة الواجهة البحرية للمدينة»، داعيةً مجلس إدارة البلدية الى مراجعة أولوياتها، «كما تعهّد رئيس مجلس إدارتها أخيراً في نقابة المهندسين»، لجهة إعطاء الأولوية لإزالة المخالفات والتعديات التي تعيق وصول الناس الى البحر والحدّ من البناء على الشاطئ ومعالجة كارثة الصرف الصحي الذي يصبّ في البحر، والذي يؤدي الى إبادة الحياة البحرية وتدمر النظام البيئي وتعرّض سكان المدينة ورواد الشاطئ للضرر والسموم بشكل يومي.
تجدر الإشارة الى أن عناصر من الحرس البلدي لا يزالون حتى اليوم يحضرون بشكل يومي إلى الشاطئ بشكل يمنع الجمعية من القيام بواجباتها «ويتدخلون في أعمالها»، وفق ما تؤكد.