كتبت ميسم رزق في صحيفة “الاخبار”:
الجواب الذي عاد به الوسيط الأميركي ديفيد ساترفليد الى بيروت الثلثاء حول شروط لبنان لانطلاق مسار ترسيم الحدود البحرية والبرية يضرب أي فرصة للتفاوض. العدو يرفض التفاوض برعاية الأمم المتحدة، ويُصر على عدم الالتزام خطياً بالتلازم بين الحدود البرّية والبحرية.
فيما كان المشهد السياسي – الأمني يضُجّ بأزمات نقّالة، عادَ الموفد الأميركي ديفيد ساترفيلد إلى بيروت، حاملاً إجابات تضرب أي فرصة لاتفاق إطار لمفاوضات لبنانية – إسرائيلية برعاية الأمم المتحدة من أجل البدء بترسيم الحدود البرية والبحرية. فقد تردّد يومَ الثلثاء صدى السلبية الإسرائيلية في بيروت، حيث نقل الزائر الأميركي شروطاً جديدة تكشف أن العدو لم يكن يوماً موافقاً على بنود الآلية التي وضعها لبنان للتفاوض، وأن الجانب الأميركي كان يناور بهدف جرّ لبنان إلى “سلام حدودي” تستفيد منه واشنطن كما تل أبيب. فقد تبين أن الأخيرة لم تتراجع عن رفضها التفاوض تحتَ رعاية الأمم المتحدة، وتُصر على عدم الالتزام خطياً بالتلازم بين الحدود البرّية والبحرية.
قبلَ الزيارتين الأخيرتين، حضرَ الموفد الأميركي إلى لبنان ووزّع خلال لقاءاته بالمسؤولين اللبنانيين جواً إيجابياً، ووصل به الأمر إلى حد القول إن إسرائيل أيدت التلازم بين البر والبحر، وأن لا عوائق جوهرية أمام تطبيقه. مع التشديد على أن المسألة لا تزال تحتاج لجولات إضافية من أجل وضع اللمسات الأخيرة، إذ بقيت نقطة عالقة ترتبط بالمهلة الزمنية للتفاوض، بعدَ أن سُحبَت موافقة إسرائيلية على شكل التفاوض ودور الأطراف المعنية، وعقد الجلسات في مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة. وأصرّ لبنان على جعل مهلة التفاوض مفتوحة، طالباً من ساترفيلد العودة الى تل أبيب للحصول على جواب نهائي بشأنها. لكنه عادَ الى بيروت في زيارته ما قبلَ الأخيرة، معزِّزاً شعور التوجس من وجود «قطب مخفية» من وراء المرونة الإسرائيلية – الأميركية، إذ نقلَ إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي يومها، أنّ إسرائيل لا مانع لديها من التلازم، على ألّا يُوثَّق ذلك خطياً. فما كان من الرئيس برّي إلا أن أجاب بـ«أننا لا نثق بها في حال كون الاتفاق معها مكتوباً، فكيف إذا كان شفهياً». وطلب برّي من زائره العودة إلى تل أبيب والمجيء بإجابات حاسمة حول الآلية، وألّا يعود إلا إذا كانت هناك معطيات جدية تسمح بانطلاق مسار التفاوض.
الثلثاء، عادَ الوسيط الأميركي إلى بيروت، والتقى كلاً من الرئيس برّي والرئيس سعد الحريري والوزيرين جبران باسيل والياس بو صعب، حاملاً معه «نعي الوساطة». فرغم البيان الذي خرج من عين التينة، مُشيراً الى تحقق «نتائج متقدمة على صعيد البدء بعملية تثبيت الحدود البحرية اللبنانية ومعالجة التحفظات اللبنانية على الخط الأزرق»، إلا أن المعلومات تؤكّد عكس ذلك. فوفق مصادر مطلعة «لم ينقل ساترفليد إلى الرئيس بري، الموكل بملف التفاوض، إصرار إسرائيل رفض تَزامُن بتّ النزاع البري والبحري وحسب، بل أكد أن إسرائيل ترفض التفاوض برعاية الأمم المتحدة، وهي تقبل حصراً بأن يكون المكان مقر الأمم المتحدة في الناقورة، أي بضيافتها لا رعايتها، من دون حضور ممثل لها من الدرجة الأولى، على أن تجري المفاوضات برعاية أميركية»، الأمر الذي تهدف منه إسرائيل إلى «إظهار صورة للعالم بأن المفاوضات التي تحصل هي أشبه بالتفاوض المباشر». أما الجواب الذي سمعه الزائر الأميركي من بري، فكان «الرفض القاطع لهذه الشروط، وتأكيد بنود الآلية التي اقترحها لبنان كسلة واحدة، وإلا فلا تفاوض». ورداً على ذلك، أخبر ساترفيلد الرئيس بري بأنه سيعود من حيث أتى، ويُعلن فشل الوساطة والتفاوض حول التفاوض بسبب موقف لبنان». أي إن السفير الأميركي الذي يعمَل لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى يريد تحميل لبنان مسؤولية الفشل، فرّد الرئيس بري بأنه سيتقدم بجواب رسمي يشرح فيه بالتفصيل مجريات ما حصل.
استناداً الى ما سبقَ، باتَ مؤكداً أن إسرائيل لم تتعامل يوماً مع الآلية التي وضعها لبنان بإيجابية أو مرونة، وأن الوسيط الأميركي الذي طلب من المسؤولين اللبنانيين عدم التأثر بما يقوله الإسرائيلييون في وسائل إعلامهم، كان يسعى إلى نصب كمين هدفت من خلاله الولايات المتحدة إلى توريط لبنان في مفاوضات مباشرة مع العدو الإسرائيلي لخلق مناخ في المنطقة يُشجع على تسويق الخطة الأميركية لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي أو ما يُسمى صفقة القرن. حتى الآن لا يعرف ما إذا كان ساترفيلد جاداً في ما قاله حول إعلان فشل الوساطة والتفاوض، لكن الأكيد أن المسار الذي بدأ منذ أشهر بدأ يترنّح ويحتضر.