وسط البلبلة التي أثارتها تقارير وكالات التصنيف الائتماني عن وضع لبنان الاقتصادي – المالي الاسبوع الماضي، والتي لا تزال مضادات الدولة تعمل على محاربتها، من دون ان تُسعفها التطورات الامنية – الميدانية التي سُجّلت الاحد، في مهمّتها هذه، وسط هذه الضوضاء غير المطمئنة، أتى تقرير الصندوق الدولي الذي صدر مساء امس، مقوّما وضع لبنان، ليزيد الطين بلّة، اذ بدا، وفق ما تعتبر مصادر مراقبة لـ”المركزية”، يقول للحكومة ولمجلس النواب الذي يعكف على درس مشروع موازنة 2019: اللوحة الزهرية التي تحاولون رسمها وتسويقها لدى الدول المانحة، مزيّفة ونحن ندرك حقيقتها جيدا! مع انه أبقى في المقابل، الباب مفتوحا على امكانية اصلاح لبنان نفسه، عبر سلسلة اجراءات، قد تساعده في كسب ثقة المجتمع الدولي.
ففيما كان لبنان “مزهوّا” بإنجاز خفض نسبة العجز في الموازنة التي يعمل عليها، الى 7.59%، توقّع صندوق النقد الدولي “أن تؤدي تدابير موازنة لبنان لعام 2019 لخفض العجز المالي إلى نحو 9.75% من الناتج المحلي الإجمالي”، لافتا الى أنه بناء على المعلومات الحالية فمن المرجح أن يتجاوز العجز المتوقع بكثير المستوى المستهدف الذي أعلنته السلطات في لبنان. واعتبر أن “من المهم أن يبدأ لبنان بعملية تعديل مالي وإصلاحات هيكلية كبيرة لاحتواء الدين العام وزيادة النمو”. واشار في تقريره، الى ان المخاطر وأوجه الضعف ما زالت قائمة بالنسبة للبنان وعدم تحقيق الأهداف وإحراز تقدم في الإصلاحات قد يؤدي إلى تآكل الثقة. واذ لفت الى “ان مصرف لبنان المركزي حافظ على الاستقرار المالي لسنوات، أوضح الصندوق أن التحديات التي يواجهها في ذلك قد نمت، داعيا اياه للتراجع عن شراء السندات الحكومية ولترك السوق تحدد العائد على أدوات الدين الحكومية. وحذّر من أن شراء السندات المنخفضة الفائدة المقترحة سيؤدي إلى تدهور ميزانية مصرف لبنان المركزي وتقويض مصداقيته.
الجدير ذكره، أن التقرير وضعته البعثة الاقتصادية الدولية في ختام جولة قامت بها برئاسة كريس جارفيس، على المسؤولين اللبنانيين، وهي عرضت أمس مع وزير المالية علي حسن خليل لخلاصة اللقاءات التي عقدتها مع الوزارات والإدارات المختلفة.
فهل يمكن القول بعد هذا التقييم، الذي يضاف الى تقارير “موديز” و”فيتش” السلبيين، أن لبنان رسب في امتحان كسب ودّ الدول المانحة وأموالها التي خُصصت له في مؤتمر سيدر؟
المصادر تشير الى ان فرصة أخيرة، لا تزال متاحة لتوجيه رسالة ايجابية قوية للخارج ومحو الانطباع المتشائم إزاء لبنان ومستقبله، الموجود لدى العواصم الكبرى، والطابة اليوم في ملعب مجلس النواب. ففيما لجنة المال يفترض ان تنهي مساء اليوم ورشة درس الموازنة، حيث ستبتّ مصير أكثر من 20 مادة معلّقة فيها، سيكون لها أثرها المباشر على ارتفاع او انخفاض نسبة العجز التي أعلنتها الحكومة، تلفت المصادر الى ان تجرّؤ السلطة التشريعية على “اقتحام” مغاور الفساد والهدر الحقيقيين، سيمدّ الموازنة بمداخيل بالمليارات لن تبقي العجز على 7.5% فحسب، بل ستخفّضه أشواطا. ومن الخطوات الانقاذية “السحرية” هذه، ضبط التفلت في الجمارك، ومكافحة التهرب الضريبي ومعالجة ملف الاتصالات.
فهل يتخذ البرلمان هذا القرار الكبير، و”يبيّض” وجه لبنان ماليا امام العالم، ويضعه مجددا على سكّة النهوض؟ أنه سيفوّت على البلاد فرصة ذهبية، قد لا تتكرر؟