قد يكون من البساطة بمكان، حصرُ “مفاعيل” اللقاء الثلاثي الذي جمع في عين التينة، كلا من رئيس الحكومة سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، بمسألة “تثبيت المصالحة” بين زعيمي الازرق والتقدمي.
فالاجتماع الذي عقد بعد اتصالات حثيثة أجراها رئيس المجلس، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، صحيحٌ أتى لطي صفحة الاشتباكات التي اندلعت عنيفة على جبهة بيت الوسط – المختارة، منذ أسابيع – بفعل الانتقادات اللاذعة التي وجّهتها الثانية للأول رافضة كيفية إدارته الحكم وما اعتبرته “تفريطا بالصلاحيات وباتفاق الطائف” يمارسه رئيس الحكومة انسجاما مع مقتضيات التسوية التي أبرمها مع التيار الوطني الحر- الا أنه في الواقع، أسس لما هو أكبر وأهمّ من مجرّد “غسل القلوب” وترميم العلاقة بين الطرفين، وهذا ما يفترض ان تظهره الايام القليلة المقبلة.
وفي وقت أفادت المعلومات الاولية التي رشحت عن اللقاء الذي استمر من الثامنة والنصف الى ما بعد العاشرة ليلاً، بأنّ “بري والحريري وجنبلاط عرضوا آخر التطورات والمستجدات السياسية والامنية إضافة الى الخطوات الآيلة لتصليب الوحدة الوطنية وتعزيز السلم الاهلي”، وفي حين اكّدت أوساط المجتمعين “انّ ما اعترى العلاقات بين الجانبين من شوائب في المرحلة السابقة تمّ تبديدها وباتت من الماضي”، قالت المصادر ان ما يجدر التوقف عنده، هو الاصرار المشترك لدى بري والازرق والاشتراكي، على عقد لقاء المصالحة في هذا الوقت بالذات، بالتزامن مع المستجدات المقلقة التي شهدها الجبل الاحد الماضي.
فالرسالة من هذا الاجتماع، والتي تُقرأ بوضوح من حيث شكله والمضمون، ساطعة ولا تحتاج الى محللين ومنجّمين لكشفها: عين التينة وبيت الوسط قررا الوقوف الى جانب المختارة، وهما يرفضان تركها وحيدة، لقمة سائغة يعمل بعضُ الداخل والخارج، على تطويقها واستهدافها، تارة بالامن وطورا بالسياسة. فالحالةُ التي يمثّلها الزعيم الدرزي، من حيث اعتداله من جهة، ولبنانيته الصافية من جهة ثانية وتحرّره من اية وصايات وأجندات عابرة للحدود، يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط بها، في رأي رئيسي المجلس والحكومة. واذا كان اصطفاف الحريري الى جانب كليمنصو “استراتيجيا” طبيعيا، نظرا الى رؤيتهما وقراءتهما المتقاربة الى حد بعيد، للقضايا الكبرى المحلية والاقليمية، فإن ما يلفت الانتباه، بحسب المصادر، هو موقف الرئيس بري الداعم، بما لا غبار عليه، لجنبلاط.
فهل اصطفافه هذا، الى جانب الاعتدالين الدرزي والسني، يمهّد لملاقاة التوازنات الجديدة التي سترتسم في المنطقة في قابل الايام؟ أم هدفه رصّ الصف في وجه ما يخطط له وزير الخارجية جبران باسيل؟
لا جواب واضحا بعد، تقول المصادر. لكن في كلتا الحالتين، ما يمكن تأكيده هو ان جبهة سياسية جديدة تتخطى الحسابات الآنية، قيد التشكيل في الداخل، تضم الى الثلاثي المذكور، كلا من القوات اللبنانية وتيار المردة اللذين لا يبدوان ابدا، بعيدين من خيارات دعم المختارة، من جهة، ورفض أداء باسيل، من جهة ثانية.
على النطاق الضيق، قد تكون اولى نتائج هذا الالتحام، تبديد هواجس جنبلاط، وتجاوز مسألة احالة ملف قبرشمون الى المجلس العدلي في مجلس الوزراء. أما على الصعيد الاوسع، فهو قد يقود الى تفاهمات في ملفات كثيرة، من التعيينات الى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟!