كتبت رلى ابراهيم في صحيفة “الاخبار”:
يصوّت مجلس بلدية بيروت اليوم على دفتر شروط محرقة النفايات التي تبنّاها رئيس الحكومة سعد الحريري، وسوّق لها رئيس البلدية المسمى من قبله جمال عيتاني. رغم ذلك، يُرجّح أن تسقط المحرقة بفعل الاحتجاجات الشعبية، وبفعل رفض متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة القاطع لها، متهماً عيتاني بالمتاجرة بصحة الأهالي مقابل تكبير حجم جيبه
يناقش مجلس بلدية بيروت اليوم في البند الثاني من جدول أعمال الجلسة، دفتر شروط معمل التفكك الحراري، أي محرقة النفايات، وتمويله وإنشائ وتشغيله. وحتى ليل أمس، كانت مصادر المجلس البلدي تشير إلى أن التصويت متقارب جداً، بحيث يجري الضغط على الكثير من الأعضاء لاستمالتهم للموافقة أو رفض المحرقة. لذلك، رست «إحصاءات» بعض الأعضاء على النتيجة الآتية: 14 عضواً من أصل 23 عضواً مع المحرقة: رئيس المجلس جمال عيتاني (تيار مستقبل)، عبد الله درويش (تيار مستقبل)، بلال المصري (تيار مستقبل)، محمد سعيد فتحا (تيار مستقبل)، يسرى سيباني (تيار مستقبل)، مغير سنجابة (جماعة إسلامية)، عدنان عميرات (أكراد)، ماتيلدا خوري (مستقلة مقربة من تيار المستقبل)، رامي غاوي (حزب اشتراكي)، ساهاك كشيشيان (حزب الطاشناق)، فادي شحرور (حركة أمل)، آرام ماليان (حزب الهانشاك)، سليمان جابر (تيار وطني حر، موافقة مشروطة)، أنطوان سرياني (مقرب من تيار المستقبل، موافقة مشروطة). 7 ضد المحرقة: نائب رئيس المجلس إيلي أندريا (مقرب من المطران إلياس عودة)، غابي فرنيني (مقرب من المطران إلياس عودة)، جو طرابلسي (تيار وطني حر)، جو روفايل (حزب الكتائب)، راغب حداد (حزب القوات اللبنانية)، خليل شقير (مستقل)، هدى قصقص (حزب الحوار الوطني). فيما يبقى عضوان غير ناشطين في المجلس ولا يحضران إلا نادراً، لذلك تتوقع المصادر ألّا يحضرا. الأول يدعى إيلي يحشوشي محسوب على القوات اللبنانية، ولم يحضر أيّ جلسة منذ نحو 5 أشهر، والثاني مستقل يدعى عماد بيضون، ولم يحضر منذ نحو عامين.
إقرار دفتر الشروط اليوم لا يعني أن المحرقة باتت أمراً واقعاً. فالقرار يحتاج إلى موافقة وزارة الداخلية، ثم محافظ بيروت زياد شبيب مجدداً، الذي سبق أن أبدى ملاحظات عدة على الدفتر، ورفضاً ضمنياً للمحرقة. علماً أن ثُغَراً عدة غير قانونية تعتري هذا الدفتر من جهة عدم تضمنه دراسة أثر بيئي، وعدم ذكر مكان إنشاء المحرقة. إذ يطرح المجلس البلدي على جدول أعماله في البند 3 «التمني على مجلس الوزراء تخصيص عقار مساحته بين 50 إلى 60 ألف متر مربع لإنشاء معمل التفكك الحراري»، وذلك لسببين: أولهما، الهروب من «نقمة» سكان بيروت على المجلس البلدي عبر تحميلها لمجلس الوزراء، وثانيها أن المخطط التوجيهي للعاصمة لا يسمح بإقامة منشآت صناعية مصنفة درجة أولى، وبالتالي يحتاج إلى مرسوم لتعديله، ثم إلى موافقة من المجلس الأعلى للتنظيم المدني. وتقول مصادر بلدية إن العقار الوحيد المتوافر بهذه المساحة في بيروت يقع في الكرنتينا، وهو ما لم تذكره البلدية منعاً للاحتجاجات الشعبية.
وتؤكد هذه المصادر أن إقامة هذا المشروع «شبه مستحيل». يعزز هذا الجزم موقف ميتروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، خلال حفل تخريج نحو 500 طالب من مدارس أبرشية بيروت الأرثوذكسية يوم أول من أمس، الرافض كلياً لإقامة محرقة في بيروت. وللمرة الأولى يرفع المطران الصوت عالياً بوجه رئيس البلدية جمال عيتاني، متهماً إياه بالمتاجرة بصحة أهل بيروت مقابل المال. وقال عودة إن «ما يحصل يخصّ المال ولا يفكر بمصلحتنا ولا بخيرنا. يفكرون فقط بحجم جيبهم، وأقصد بالملايين (…) يبشروننا اليوم بمحرقة ضاربين عرض الحائط بصحتكم وصحة أبنائكم». وسأل عودة رئيس البلدية من أين أتى بهذه الفكرة: «إذا منسأل رئيس البلدية بيقلنا باريس وبرلين ولندن، ليش انت صرت متلن، ولادك بيرموا الورق والوسخ بالشارع انت وماشي». ودعا عودة الطلاب والأهالي إلى الاحتجاج اليوم على المحرقة: «خبروا هالإنسان يوقف هالشغلة. هو مأمن عحاله، بس أبناء بلدي ما بيقدروا يعملوا شي. سكتوه وسكروله جيبته».
يرجَّح أن يكون خطاب المطران عودة عاملاً حاسماً في إسقاط هذه المحرقة، ولا سيما أنه المرجعية الأرثوذكسية في بيروت ويؤثر في رأي جزء من أهالي المدينة وقواها السياسية. فرفضه العلني، بحسب البعض، أسهم في تبديل رأي حزب القوات اللبنانية التي كانت قد شاركت في إعداد دفتر الشروط ودراسته، ثم قررت أن يصوت ممثلاها (في حال حضور إيلي يحشوشي الجلسة) في البلدية ضد المحرقة. نائب القوات في بيروت عماد واكيم يقول لـ«الأخبار» إن «عدم الموافقة مرتبط بموقع المحرقة بشكل أساسي وبأننا طلبنا إرفاق 3 دفاتر شروط صغيرة مع دفتر الشروط الرئيس لضمان حسن التنفيذ من دون أن يلبّى هذا الأمر». كذلك يصوت التيار الوطني الحر، بصوت مع المحرقة، مشترطاً وضع دراسة جدوى اقتصادية وأثر بيئي قبل إعداد المناقصة، وآخر ضدها. وتقول مصادره إنه «لا قرار رسمياً، بل ترك الخيار للأعضاء». وتشير مصادر البلدية إلى أن ضغط المطران عودة قد ينتج منه غياب وتبديل في خيار بعض الأعضاء المسيحيين، ومنهم ماتيلدا خوري. كذلك يتجه رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، إلى إصدار موقف علني رافض لإقامة المحرقة. اعتراض مرجعيتين مسيحيتين سيضمن، وفق أحد المسؤولين المعنيين بالملف، حرق خيار المحرقة، ولا سيما أن موقع المعمل يقع في منطقة الكرنتينا ذات الغالبية المسيحية. ولا يمكن رئيسَ المجلس البلدي ومرجعيته السياسية، أي رئيس الحكومة سعد الحريري، تجاهل هذه النقطة، منعاً لخلاف طائفي يؤدي إلى انقسام في بيروت. ويستغرب المسؤول إبلاغ النائب السابق وليد جنبلاط موافقته على المحرقة لرئيس مجلس بلدية بيروت جمال عيتاني، في زيارته الأخيرة، طبقاً لما نقله عيتاني لمجلسه، رغم إعلان جنبلاط رفض خيار المحارق، وقطع بلدية الشويفات الطريق على بيروت عبر إصدارها بياناً رافضاً للمحارق، ولا سيما أن بلدية العاصمة كانت تضع عقارات تملكها في الشويفات ضمن خياراتها لإقامة المحرقة. فهل الرفض يشمل فقط عدم إقامة المعمل ضمن مناطق الشوف وعاليه، والموافقة عليها إن حصلت في بيروت؟
الى جانب ما سبق، دعا ائتلاف إدارة النفايات و«بيروت مدينتي» وعدد من الجمعيات البيئية والاجتماعية إلى الاعتصام اليوم أمام المجلس البلدي في موعد عقد الجلسة، أي الساعة الخامسة مساءً. ينضم إليهم كل من النواب: بولا يعقوبيان ونديم الجميّل وجان طالوزيان وفؤاد مخزومي وإلياس حنكش وأسامة سعد. فيما ينظّم «حزب سبعة» اعتصاماً «لتسكير مداخل بيروت»، كما جاء على صفحته، الساعة الرابعة النصف مساءً، وحده من دون التنسيق مع باقي الأحزاب والجمعيات.
منذ ثلاث سنوات، وضع رئيس البلدية جمال عيتاني معالجة أزمة النفايات في صلب برنامجه الانتخابي. يومها، أعلنت مدينة بيروت لامركزيتها، فلجأت إلى بعض الخبراء الذين أخبروها أن الحرق هو الخيار الأفضل. لكن كان يفترض بعيتاني إسقاط المحرقة في العام الأول، نتيجة عدم توافر الظروف المناسبة لإقامتها، لا من ناحية الموقع، ولا خصوصية لبنان وكيفية إدارة ملفاته البيئية، بحسب مسؤول حكومي معني بالقضية. غير أنّ الريّس «اختار هدر 3 سنوات من عمر المجلس، وهدر المال العام من دون أي خطة للفرز، فيما كان يمكن الاعتراف بفشله في اعتماد لامركزية النفايات، ووضع المشكلة بتصرف مجلس الوزراء ليبتّها مع مجلس الإنماء والإعمار الذي يُعدّ خطة شاملة لكل المناطق اللبنانية، ومن ضمنها بيروت، تقوم على إقامة معامل فرز وتسبيخ جديدة ذات قدرة استيعابية كبيرة». وما ورود اسم بيروت ضمن خطة «الإنماء والإعمار» إلا لمعرفة المجلس البلدي المسبقة بفشل خيار المحرقة، وهو ما يقوله أعضاؤه بعيداً عن الإعلام.