كتب عامر مشموشي في “اللواء”:
يجمع المراقبون على ان الحكومة رغم الجهود الحثيثة التي بذلت خلال الأيام الثلاثة الماضية لتجاوز قطوع حادث قبرشمون الذي حصل بعد ظهر يوم الأحد الماضي على خلفية التصريحات الاستفزازية التي أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل عشية زيارته إلى هذه المنطقة، ما زال مصيرها معلقاً على ما يُمكن ان تسفر عنه هذه المساعي والاتصالات من نتائج للجم الاحتقان في هذه المنطقة ذات الخصوصية وإعادة مد خطوط التفاهم المفقود حتى الآن بين طرفي النزاع.
لكن هؤلاء المراقبين ما يزالون حتى الآن يميلون إلى التشاؤم من إمكانية نجاح الجهود المبذولة في التوصّل إلى تفاهمات بين كل الأطراف المعنية تطوي هذه الصفحة السوداء، وتعيد التفاهم والتعاون بين الأطراف المعنية بمعزل عن الطموحات الشخصية في وضع اليد على الجبل، وذلك استناداً إلى المواقف التصعيدية المستمرة لأحد أطراف الأزمة النائب طلال أرسلان وللدعم العلني لهذه المواقف من قِبل «التيار الوطني الحر» والذي تجلى حتى الآن في موقفين يحملان دلالات واضحة على هذا الدعم. الاول: اقدام رئيس «التيار الوطني الحر» الذي يحرص رئيس الحكومة على استمرار التعاون والتنسيق معه في كل الخطوات التي يقدم عليها حرصاً منه على استمرار التسوية الرئاسية على استخدام الثلث المعطل، لمنع انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة قبل حادثة الجبل والتي كان من المفترض، حسب ما يأمل رئيسها، ان تعالج زيول احداث الجبل بما يؤدي إلى تجاوز تداعياتها على أمن الجبل أولاً وعلى الاستقرار الحكومي ثانياً، الأمر الذي فسّره رئيس الحكومة على انه رسائل مشفرة من الوزير باسيل بعث بها إليه ومفادها ان مصير الحكومة بات مهدداً في حال تأخرت في اتخاذ الإجراءات الأمنية والقضائية وفي مقدمها إحالة حادث الجبل على المجلس العدلي استجابة لطلب حليف التيار النائب أرسلان، كونها عملية مدروسة ومنظمة من قِبل الحزب التقدمي الاشتراكي لاغتيال أحد أعضاء الحكومة هو الوزير صالح الغريب.
وبالرغم من مسارعة مصادر التيار الوطني الحر الى نفي ان يكون الأمر كذلك وتأكيدها على ان قرار تعطيل جلسة مجلس الوزراء اتخذه وزراء تكتل لبنان القوي لسحب فتيل اشتباك سياسي كان سيحصل فيما لو انعقدت الجلسة في ظل الجو المحموم الذي كان سائداً يومذاك، كان يُمكن ان يطيح بالحكومة ويضع البلاد كلها امام المجهول.
ورفضت هذه المصادر ما يُحكى عن رسائل تهديد أراد رئيس تكتل لبنان القوي تمريرها إلى رئيس الحكومة رداً على مواقفه الإيجابية التي أطلقها تجاه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عندما دعا إلى معالجة حادثة الجبل بالطرق والوسائل السياسية، وعدم زج القوى العسكرية والأمنية في هكذا مشكلة حسّاسة، وقالت هذه المصادر ان لا حاجة إلى تمرير رسائل مشفرة أو غير مشفرة إلى أي جهة كانت لأن الرئيس الحريري يعرف حجمنا السياسي والحكومي، ويعرف ان لدينا ما يسمى الثلث المعطل معتبرة ان الخطوات التي اتخذها رئيس التيار رداً على ما حصل في الجبل جنّبت البلاد كارثة سياسية وحكومية كاشفة ان التنسيق قائم ومتواصل بين رئيس الحكومة ورئيس تكتل لبنان القوي بما في ذلك ما يتعلق بتأجيل انعقاد مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي إلى ان تبرد الأجواء، ويتسنى لأصحاب المساعي الحميدة من إيجاد حل جذري للأزمة السياسية الناجمة عن حادث قبرشمون.
لكن المراقبين يشككون في صدقية هذه المصادر على ضوء المواقف التي صدرت عن الوزير باسيل نفسه وعن وزراء تكتل لبنان القوي ولا سيما ما صدر عن وزير الدفاع البرتقالي بوصعب بعد اجتماعه في مكتبه بوزارة الدفاع إلى أحد أفرقاء حادث الجبل الرئيسيين النائب أرسلان من تأكيد على ان الحادث الذي وقع في قبرشمون كان مخططاً له لاغتيال الوزير صالح غريب ما يقتضي إحالة هذه القضية إلى المجلس العدلي.
ويعتبر المراقبون ان هذا الكلام يتناقض بشكل قاطع مع ما قالته مصادر من ان التنسيق ما زال قائماً بين الوزير باسيل ورئيس الحكومة ما دام الرئيس الحريري أعلن بعد الاجتماع الوزاري القصير الذي عقد في مكتبه بالسراي الحكومي يوم الثلاثاء الماضي انه ضد إحالة هذه القضية إلى المجلس العدلي ما يعني انه ضد أي اتهام يوجه إلى الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه بأنهم كانوا يخططون لاغتيال أحد وزراء التيار الوطني الحر.
وفي رأي هؤلاء المراقبين ان تصريحات وزير الدفاع البرتقالي أثارت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط الذي أبدى كل تجاوب مع مساعي التهدئة التي يقوم بها رئيس الحكومة ما حمله إلى وصف هذه التصريحات «بالعمل الصبياني» ودعا إلى الكف عنها لأنها تزيد المشكلة تعقيداً بدلاً من ان تساعد على التهدئة وطي هذه الصفحة السوداء التي استولدتها سلسلة تراكمات حصلت في الجبل لم يكن التيار الوطني الحر بعيداً عنها، وبناء على ما تقدّم ما زال الوضع الداخلي، في نظر هؤلاء المراقبين على فوهة بركان ومعرض بالتالي إلى الانفجار في أية لحظة خصوصاً وان التيار الأزرق وفريقه في الجبل ما زالوا يعتبرون ان كل الظروف ما زالت مهيأة لمحاصرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ولو كان ذلك على حساب الانفجار الأمني الواسع في الجبل الذي كان يعيش المصالحة بين الدروز والمسيحيين التي أرساها الزعيم وليد جنبلاط والبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير، فهل تنتصر إرادة الخير التي عبر عنها جنبلاط بعد الاجتماع الطارئ للمجلس المذهبي لطائفة الدروز الموحدين أم ان الوضع في الجبل ما زال مهيأ لوقوع احداث مماثلة لحادث قبرشمون ما دام رئيس التيار الوطني الحر مُصر على استعادة حقوق المسيحيين وحسب، وإنما على العودة إلى ما كان عليه لبنان قبل اتفاق الطائف الذي أرسى قواعد الحكم الجديد في هذا البلد والتعددي.