… «المهمّ الهدف، أي تسليم المُرْتكبين ومحاسبتهم قضائياً»، و«ممنوع تفجير الحكومة لأن ذلك يعني كشْف البلد على كل المخاطر الداخلية (الأمنية والمالية) والإقليمية». معادلةٌ من حدّيْن شكّلتْ الإطار السياسي – الأمني لمسار «تفكيك صواعق» ما بات يُعرف بـ«أحداث عاليه» التي وقعتْ الأحد ووضعتْ البلاد أمام اختبارٍ هو الأصعب منذ تسوية 2016.
ورغم بعض «الضجيج» الذي لم يغِب عن المشهد اللبناني أمس، فإن العارفين بكواليس اتصالات التهدئة أكدوا لـ«الراي» أن «خريطة الطريق» التي تبلورتْ بعد «خضّة الثلاثاء» التي كادت أن تجعل الحكومة في مرمى نارِ «هزّة الجبل» ما زالت هي التي تحكمُ المحاولاتِ الحثيثة لإخماد مضاعفات «واقعة قبرشمون» التي سقط فيها اثنان من مرافقي الوزير صالح الغريب (المحسوب على النائب طلال ارسلان) خلال إشكالٍ مع مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط) على خلفية «الغضبةِ» التي رافقتْ زيارة «رئيس التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (حليف ارسلان) لمنطقة عاليه.
وفي هذا الإطار ارتسمتْ ملامح استشعارِ فريق رئيس الجمهورية ميشال عون (التيار الحر) بخطرِ الاندفاعةِ التي شكّلها تلويحُ «التيار الحر» ورئيسه بورقةِ «الثلث المعطّل» لنصاب انعقاد مجلس الوزراء، وربما أكثر، في إطار محاولات الضغط لفرْض إحالة الحكومة أحداث عاليه على «المجلس العدلي» وذلك في سياق الردٍّ على مجموعة «الرسائل» التي حملتْها مشهديةُ الرفض لجولة باسيل في عاليه والمضيّ في مقارعة جنبلاط من ضمن ما يعتبره مؤيّدوه عمليةً ممنْهَجة لتطويقه لاعتباراتٍ محلية وأخرى إقليمية.
وكان واضحاً أن فريق عون، بدءاً من باسيل ووزراء آخرين، كرّسوا هدف محاسبة المرتكبين وتوقيفهم أولويةً على موضوع الإحالة على «العدلي» متعمّدين الكلام عن «أن الأمور ذاهبة الى العلاج»، بعدما تَأكَّدَ أن لا إمكان لتوفير النصاب الكافي لنقْل «ملف قبرشمون» الى «العدلي» وأن رئيس الحكومة سعد الحريري ليس في وارد التراجع عن رفْضه اعتماد مثل هذا المسار أو السماح بابتزازه بورقة «الثلث المعطّل»، وسط معلوماتٍ عن أنه رغم «المَظْهر الاحتوائي» الذي أطلّ به الحريري بعد استيعابه رفْع (التيار الحر) «عصا» الـ11 وزيراً، فإنه كان «َضرَبَ على الطاولة» موجّهاً خلال امتناع وزراء «تكتل لبنان القوي» عن الالتحاق بجلسة الثلاثاء أكثر من رسالة حازمة بأن البلد لم يعد يحتمل وبأنه لن يكون شاهد زور على أي لعب بالاستقرار السياسي وأنه قد يكون له موقف حاسم.
ورغم بقاء النائب إرسلان شبْه «وحيد» في اشتراط الإحالة على «المجلس العدلي» كأساسٍ للحلّ وتمهيداً لتشييع مرافقيْ الغريب، فإن المعالجات الجدية بقيت مركّزة على تسليم المطلوبين الذين كان 5 منهم باتوا في عهدة الأجهزة الأمنية (الثلاثاء) ويفترض أن يكون آخَرون التحقوا بهم أمس، وسط معلومات عن أن اللائحة تشمل نحو 30 شخصاً، وأن «التقدمي» منفتح على التعاون مع ضماناتٍ بأن ليس كل مَن يتم توقيفه للتحقيق هو مِن المتورّطين في مقتل المرافقيْن.
وفيما واصل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم اتصالاته كـ«وسيط الجمهورية» في محاولة لترجمة «القرار الكبير» بإطفاء تداعيات ما حصل في عاليه، بدا أن مجلس الوزراء لن ينعقد قبل اكتمالِ عملية تبريد «الأرض السياسية» التي لاحتْ مؤشراتها في أكثر من حركة ولقاء، بينها:
* حرص وزير الدفاع الياس بو صعب بعد استقباله الغريب وارسلان، على الحديث عن ايجابيات وحلول مطروحة للأيام المقبلة، وإن كان مضى في الحديث عن «كمين» تعرّض له الغريب في قبرشمون.
* استقبال باسيل الوزير السابق وئام وهاب (حليف ارسلان أيضاً) الذي لم يتحدث عن قضية «المجلس العدلي»، وكان حاسماً في تأكيد «ضرورة استمرار الحكومة وعدم تفجيرها لأن ذلك يعني (فرط الوضع في البلد)».
وفي موازاة ذلك، شكّل جنبلاط محوراً رئيسياً في لقاءات بارزة حصلت أمس، حيث استقبل اللواء ابراهيم في إطار تأكيد انفتاحه على التهدئة والحوار والحلول، وذلك قبل العشاء الثلاثي بالغ الأهمية الذي رعاه رئيس البرلمان نبيه بري وضمّه الى الحريري وجنبلاط.
وبدا أن من شأن هذا اللقاء الثلاثي ترييح جنبلاط الذي يوجد انطباعٌ بأنه سجّل بعد «امتحان عاليه» وما أعقبه من تداعيات «فوزاً بالنقاط» توّجتْه عودة علاقته بالحريري الى سابق عهدها بعد التصدّع الأكبر الذي سادها أخيراً على خلفية أكثر من ملف داخلي ومآخذ رئيس «التقدمي» على ترجمات تسوية 2016.
وسبق لقاء عين التينة مواقف لافتة أطلقها جنبلاط بعد مشاركته في الاجتماع الاستثنائي للمجلس المذهبي الدرزي، إذ أعلن «سنواجه بهدوء وانفتاح وتأكيد الحوار مع الجميع من أجل تثبيت المصالحة والسلم الأهلي، ونحيي الجيش اللبناني، وإذا كان هناك مطلوب فنحن تحت سقف القانون».
وأكّد رفْض «الخطاب الاستفزازي الذي لا معنى له والذي مع الأسف أدى الى الانفجار يوم الأحد»، سائلاً «لماذا العودة الى نبش القبور وإلى محطات الكحالة وسوق الغرب؟»، مضيفاً: «يروق شوي جبران، بدو يوصل؟ (الى رئاسة الجمهورية) مش بهالطريقة»، مطالباً عون «بوضع حد لهذه التصرفات الصبيانية»، ورافضاً «الكلام الاستباقي لوزير الدفاع» (حول كمين قبرشمون) ولننتظر القضاء.
ومما زاد من تهيُّب القوى السياسية مَخاطر الإمعان في «اللعب على حافة الاستقرار»، تقرير صندوق النقد الدولي في ختام جولته في لبنان والذي ترك علامات استفهام حول وقْعه على المجتمع الدولي ووكالات التصنيف الائتمانية التي سبق أن أطلقت إشارات سلبية حيال الواقع المالي لـ«بلاد الأرز» التي لم تنجز بعد موازنة 2019.
فتقرير صندوق النقد شكّل «جرس إنذار» جديداً، اذ توقّع خلافاً لتقديرات المسؤولين، أن تؤدي تدابير موازنة 2019 لخفض العجز المالي إلى نحو 9.75 في المئة، داعياً لبنان لأن يبدأ بعملية تعديل مالي وإصلاحات هيكلية كبيرة لاحتواء الدين العام وزيادة النمو، ومحذراً من «أنّ عدم إحراز تقدم في الإصلاحات قد يؤدي لتآكل الثقة»، ومعتبراً ان مصرف لبنان «حافظ على الاستقرار المالي لسنوات، والتحديات التي يواجهها في ذلك نمت».
واعتبر «أنّ شراء المركزي السندات المنخفضة الفائدة المقترحة (11 الف مليار ليرة) سيؤدّي إلى تدهور ميزانيته وتقويض صدقيته».
وفي شأن آخر، قال بري، إن لبنان يصر على أن أي ترسيم لحدوده البحرية مع إسرائيل يجب ألا يتم إلا من خلال حزمة أوسع تشمل الحدود البرية أيضاً وإن بيروت تريد ذلك كتابة.