مع مغادرة نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد بيروت منذ يومين بأجواء سوداوية، في ضوء الحديث عن عودة وساطة المسؤول الاميركي الهادفة الى اطلاق مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود مع اسرائيل الى نقطة الصفر، غلّفت الملف برمته موجة من الضباب والغموض حول المصير الذي قد تؤول اليه العملية المفترض انها تخدم الجانبين المعنيين بيروت وتل ابيب لجهة استخراج النفط وانهاء النزاع المزمن.
نتائج المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين التي شملت الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل تكرارا، كما استمراره في المهمة او تسليمها الى خلفه ديفيد شنكر بقيت بدورها في دائرة الابهام، اذ افادت مصادر مطّلعة “المركزية” ان احد المسؤولين اللبنانيين سأله عما اذا كان سيتولى خلفه في الخارجية ديفيد شنكر مهمة وساطة الترسيم فأجاب “الملف باق في جعبتي”. ولم يوضح الدبلوماسي الاميركي حتى متى، كما لم يكشف امام بعض الصحافيين الذين تسنى لهم لقاءه على هامش الزيارات المكوكية للسراي والخارجية عن طبيعة المحادثات التي اجراها والاجوبة الاسرائيلية التي عاد بها، وموعد زيارته لبيروت مجددا او عدمها.
اما عن سبب عدم زيارته قصر بعبدا ابان زيارتيه الاخيرتين، تشرح المصادر لـ”المركزية” ان الرئيس عون حينما استقبله في احدى زياراته لبيروت طلب منه زيارته حينما تنتهي المحادثات ويعود بجواب اسرائيلي نهائي لكيفية تنفيذ الالية التفاوضية، خصوصا ان الرئيس بري هو خير مفاوض في هذا الملف. وما دام ما تسرب من اجواء لقاء عين التينة غير مشجع، لم يكن من داع لادراج بعبدا في جولة لقاءات المسؤول الاميركي، اذ افادت اوساط بري ان اسرائيل تراجعت عن كل ما وافقت عليه ورفضت تلازم المسارين البحري والبري كما رفضت اي دور للامم المتحدة، الا الاستضافة في الناقورة من دون حضور المنسق الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش. وطرحت اسرائيل افكارا جديدة وشروطا ومطالب لم يتم الكشف عنها واكتفت الاوساط بالقول ان المناخ الايجابي تبخر وعدنا الى الصفر حتى ان الرئيس بري هدد بالرد على الموقف الاسرائيلي والمماطلة الاميركية ومسايرة اسرائيل واتهام لبنان بالعرقلة بفضح كل شيء للرأي العام المحلي والخارجي.
وتعزو المصادر المطّلعة التراجع الاسرائيلي الى اعتبارات اربعة تلخصها بالآتي:
-التطورات الاسرائيلية الداخلية والصراع السياسي عشية الانتخابات مع تراجع شعبية رئيس الحكومة الانتقالية بنيامين نتنياهو وعجزه عن المضي بالآلية التفاوضية مع لبنان خشية استخدامها ضده في الاستحقاق وحرص ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب على عودته لترؤس الحكومة الجديدة كونه حاجة اسرائيلية لبلوغ “صفقة القرن”.
– التريث في انتظار تظهّر نتائج الكباش الاميركي –الايراني الذي قد يغير موازين القوى ويمنح اسرائيل اوراق قوة اضافية في المفاوضات.
– انتقال الملف الى شنكر خلف ساترفيلد، اليهودي الهوى، مما يعزز اوراق التفاوض لمصلحة اسرائيل.
– عدم استعجال المهمة ما دامت تل ابيب ترسّم حدودها وفق ما ترتئي برا وتستخرج النفط بحرا كما تريد خلافا للبنان.
وتعتبر المصادر ان المتضرر من التأخير هو لبنان الذي يفضّل ان تبقى الوساطة في جعبة ساترفيلد الذي ابدى مرونة ملحوظة ازاء مطالب لبنان خلافا لما قد يكون عليه الواقع مع شنكر، خصوصا انه يستعد لبدء التنقيب نهاية العام ولاطلاق مرحلة ثانية من المناقصات قد تشارك فيها شركات اميركية.
وليس هذا السبب الوحيد الذي يدفع لبنان لتسريع المسار، اذ ان استمرار موازين القوى على ما هي عليه اليوم يضع لبنان في موقع تفاوضي قوي قد يفقده اذا تبدلت المعادلات الاقليمية وابرمت التسويات السياسية التي قد تؤثر في شكل ما على بعض اوراق لبنان هذه.