Site icon IMLebanon

باسيل: نكد سياسي أم طموح جامح للسلطة؟

كتب أحمد الأيوبي في صحيفة “اللواء”:

لم تعد ظاهرة جبران باسيل مجرّد حالة نـَكَدٍ سياسي، أو حالةَ طموحٍ جامحٍ للسلطة، ولم يعد تهديدُ السلم الأهلي مجرّد عظةٍ تذكيرية، ولم يكن إستهدافُ صلاحيات رئاسة الحكومة شرهاً سياسياً على الموقع والغنائم، وبات لبنان أمام سياقٍ متتابع يستهدف إتفاق الطائف ويبتغي فرض تغيير النظام السياسي، عبر إعتماد سياسة حافة الهاوية في دفع الصراع إلى حدود الإشتعال ما قبل الإنفجار.

كانت مهمة جبران باسيل ولا تزال تفتيت التركيبة السياسية، فكانت مؤامرة قانون الإنتخاب ليتمكن من إقتحام المناطق والطوائف، ونجح من خلاله في إيجاد مواطئ قدم له تسمح بأن تكون «طابوراً خامساً» لإشعال الخلاف داخل الكيانات على إمتداد الوطن.

كان الهدفُ منذ البداية كسر وليد جنبلاط، ومحاصرته إنتخابياً ثم سياسياً، في عملية تقاطع مصالح بين النظام السوري و«حزب الله» وجبران باسيل، فبدأت سلسلة الإستفزازات الدامية منذ حادثة الشويفات ثم إدخال وئام وهاب على خط الصراع عبر كسر هيبة الأمن والقضاء بعد شتمه للرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاه من صدام بالقوى الأمنية.. ثم كانت مسيرة السيارات التي حاولت إقتحام المختارة، فحاصرها أنصار النائب السابق وليد جنبلاط ومنعوها من الوصل إلى هدفها ثم طلبوا تدخـّل الجيش.

وأخيراً لا آخراً، جاءت حادثة قبرشمون التي نشبت على خلفية الإستفزاز المتواصل تجاه البيئة الدرزية وتصريحات وزراء ونواب باسيل، مثل الحديث عن خوف المسيحيين من النوم في الجبل وما أدلى به باسيل يوم الأحد الماضي عن كوع الكحالة ومعارك سوق الغرب مع ما يعنيه ذلك من نكء لجراح الحرب، وتنظيم باسيل مخيماً لشباب التيار الوطني الحر في بلدة كفرمتى التي فقدت أكثر من 120 من أبنائها في الحرب مع الجيش بقيادة العماد عون حينها.. ثم قرار باسيل «إقتحام» كفرمتى وإلقاء كلمة في المخيم الشبابي العوني.

ورغم محاولات إخفاء دور «حزب الله» في تسعير حركة باسيل العدائية تجاه المكوّنات اللبنانية المختلفة، وإذا نظرنا إلى المشهد في حقيقته الواضحة، نجد أن ما يجري هو خطة متكاملة يديرها «حزب الله» وينفذها باسيل على مراحل متتابعة، تحكمها مصلحة الطرفين في إستهداف إتفاق الطائف والدستور وفرض التغيير في النظام بطريقة الأمر الواقع بعد أن فشلت محاولات فرض «المؤتمر التأسيسي.

إستهداف جنبلاط مستمر

وهنا، لم يعد إستهداف وليد جنبلاط مجرّد تحليلٍ سياسي أو هاجسٍ وجوديّ لدى الموحدين الدروز.. مع إنضمام «حزب الله» إلى سرايا النظام السوري في مساعي حصار المختارة.

كذلك لم يعد هناك شكٌ أن دور حركة أمل بات في دائرة الإستهداف كنتيجةٍ تلقائية لتغطية «حزب الله» لجبران باسيل في واقعة «البلطجي» وما تلاها..

أما مسيحياً، فلا يزال شبح حرب الإلغاء هو المتحكِّم بفكر باسيل وممارساته السياسية وأهدافه الإستراتيجية..

لا يدخل جبران باسيل منطقةً إلا ويزرع فيها النزاع والشقاق والخلاف، فيتحوّل من زائر إلى مقتحم معزز بألوية الجيش الجرارة..

يحوّل أتباعَه من وزراء ونواب ومسؤولين مناطقيين وأنصار منتشرين، بسهولة إلى حالاتٍ من الإختلال في السلوك السياسي النافر، فتصبح الوقاحة والتكبر وإدعاء إحتكار الحقيقة والشرف والنزاهة وإتهام الآخرين بكل نعوت السوء، السمة البارزة لهؤلاء..

جبران باسيل المسكون بهَوَس الزعامة التاريخية المسيحية، يريد أن يتجاوز كميل شمعون وأن يجعل بشير الجميل سطراً في تاريخ مسيرته فلا يبقى لأحدٍ ذكرٌ سواه، ويكون عهد ميشال عون مجرّد «مقدمة» لـ»وصوله العظيم» للرئاسة كمنقذ للمسيحيين في لبنان والشرق».

سياحة الفتنة

نجح جبران باسيل ببراعةٍ شديدة في تفجير الفتنة في الجبل بعد محاولاتٍ سابقة مستمرة منذ سنوات.. مباشرة أو بواسطة إمتدادات حلف الممانعة، من حادثة الشويفات إلى الإشتباك المشبوه مع وئام وهاب، ومحاولة إقتحام المختارة..

نجح جبران باسيل في إستفزاز أهل بعلبك، فأسمعوه كلاماً شديد اللهجة وقالوا له في وجهه إنك وتيارك أكبر طائفي..

نجح جبران في دفع أهالي بشري إلى مقاطعته بشكل شامل إلى درجة أنه لم يجد في إستقباله أحداً، فكانت «بهدلة» غير مسبوقة..

ينفتح جبران باسيل على المسلمين ويشتم السنية السياسية ولا يتوانى عن تشويه سمعتهم ومدنهم، من عرسال إلى طرابلس، حتى بات يلاحقهم بمنع حفر بئر لمسجد في الطريق الجديدة ببيروت!

يتحالف جبران مع أحد طرفي الثنائية الشيعية، ثم يصف طرفها الآخر بالبلطجي فيشعل فتنة وصلت حدودها إلى حمل السلاح من أتباع التيار الوطني الحر بشكلٍ علني في وجه أنصار حركة أمل الغاضبين.. وهو يعمل بكلّ دأبٍ على ضرب دور الرئيس نبيه بري بكل الطرق والوسائل، غير بعيدٍ عن رضى «حزب الله» عن هذا الإستهداف..

أطلق جبران حرب كراهية غير مسبوقة على اللاجئين السوريين، ويدعي الدفاع عن كرامتهم، ولكنه يريد رميهم عند النظام بحجة أن مناطق سيطرته آمنة، وفي الوقت نفسه يخرج من تياره من يزعم أن أن اللاجئين السوريين يأكلون من خبزنا «المدعوم» الذي أوقفت دولتنا العظيمة دعمه منذ أكثر من خمس سنوات!

طرابلس الجريحة ترفض..

ويستمر المسلسل الباسيلي فيضع برنامجاً لزيارة مدينة طرابلس، التي لم يترك وزيرُ دفاعه الياس بوصعب فرصة إلا وإستغلها لإعادة وضع عاصمة الشمال على لائحة المدن «الحاضنة للإرهاب» ولإستفزاز أهلها بعد العملية البشعة التي قام بها الإرهابي عبد الرحمن المبسوط..

 

يرفض أهالي طرابلس زيارة باسيل إلى مدينتهم ليس لأنهم يرفضون الآخر، ولا لأنهم متعصبون ومنغلقون، بل لأن باسيل يعلن عداءه للوجود السني في لبنان ويتصرف بطائفية وقحة، فيمنع إلتحاقهم بالوظائف لأنه يبحث عن مسيحيين (عونيين) يحشرهم في تلك المجالات التي لا يشملها الدستور بالمناصفة..

يرفض أهالي طرابلس زيارة باسيل لأنه يسلبهم المواقع في مدينتهم المستباحة ليأتي بمحازبيه ويزرعهم في مرافق الفيحاء..

يرفض أهالي طرابلس زيارة باسيل لأنها ليست زيارة، وإنما إقتحام سياسي لتسجيل الإختراقات ولأنها لا تتضمن أي بند لصالح المدينة، بل هي إستطلاعٌ بالإستفزاز تمهيداً للإنقضاض على مرفئها ومعرضها كما إستولى على مصفاتها قراراً وتوظيفاً، في ظل صمتٍ قاتل ممن يسمون نواب طرابلس.

«حزب الله» يسفر عن وجهه

كشف تسجيل مسرب للنائب طلال أرسلان أن أحداث الجبل الأخيرة كانت مكيدة مدبرة للإيقاع بوليد جنبلاط.

ولم يتأخر «حزب الله» عن إستغلال الدماء التي سالت في حادثة قبرشمون، ليطلّ وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي ليعلن من دارة طلال أرسلان أنه جاء «للوقوف إلى جانب حلفائنا» وأنه يرفض «العودة للأعمال الميليشوية» وأن ما جرى «خرق للسيادة وخرق للإستقرار الأمني، وما جرى خطر وخطر جدا، ولا يجوز العودة إلى الحرب، وقد كدنا أن نجد وزيراً من وزرائنا مقتولاً..على الجيش ضبط الفتنة من خلال القبض على الجناة ليأخذوا ما يستحقون من عقاب.».

وأضاف قماطي:»بعد كل التضحيات لا نقبل أن تكون هناك منطقة مغلقة على أحد من أبناء الوطن، وحرية التعبير والرأي في أساس الدستور، لذلك يجب أن يتحلى الخطاب السياسي بالأخلاقية السياسية وعدم الإهانة والتجريح والتعدي وأي حراك سيادي لا يواجه بفعل ميليشيوي. ولى عهد الميليشيات والحرب الأهلية.. لا يجب التأجيل فدم الناس يغلي..يهمنا كثيرا امن واستقرار الجبل ومن اولى خطوات التهدئة قيام الجيش بالقبض على الجناة وإلا فإن الفتنة ستستمر».

 

بات موقف «حزب الله» مكشوفاً مع محاولة إستغلال مجلس الدفاع الأعلى لتصفية الحسابات مع جنبلاط والدعوات إلى تحويل حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، فهل يجوز أن يُترك وحيداً في مواجهة كلّ هذا الإستهداف؟

جوابا: يقول المثل: أكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض..

هل يمكن بعد كلّ هذه التطورات أن يبقى شكٌ بأن شراكة باسيل و»حزب الله» باتت تستوجب رؤية أبعد من الغرق في إشكالية تعيينات ومواقع لأن المشروع الموحّد بينهما بات يجرف لبنان بصيغته المتنوعة وكيانه القائم على العيش المشترك؟!!