كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
تشهد غرف بلدية بيروت محاولات حثيثة لإقرار دفتر الشروط المتعلق بإنشاء المحرقة في العاصمة، قبل إيجاد الأرض التي ستتمركز عليها. ويؤكد رئيس البلدية جمال عيتاني لـ”نداء الوطن” أن “عدم إيجاد أرض للمحرقة يعني إلغاء المشروع”. وربما هي رسالة يوجهها “عرّاب” المحرقة إلى السياسيين الراغبين بإنشائها للاستعجال في إيجاد موقع جغرافي لها ليبدأ التنفيذ، إذ يبدو واضحاً أن عيتاني سئم الحركات الاعتراضية. واضطر رئيس البلدية أمس، إلى تأجيل مناقشة البنود المتعلقة بمشروعه تحت وطأة الضغوط السياسية وفئة شعبية معترضة.
وكانت جهات معترضة على مشروع المحرقة، دعت فور تبلغها قرار عيتاني طرح بنود المشروع على التصويت، إلى التحرك أمام مبنى البلدية وسط بيروت تزامناً مع الجلسة وإقفال مداخلها لمنع إقرار البنود المتعلقة بالمحرقة، والتي تلطّفها البلدية باسم “معمل تفكك حراري”. فاعتصم أمس عدد من المحتجين أمام البلدية بدعوة من حزبي سبعة و”الحوار الوطني” إضافة إلى ائتلاف إدارة النفايات ومجموعة من الناشطين، ورفعوا الشعارات المعارضة للمحرقة ولعيتاني. وانضم إلى المعترضين، النواب نديم الجميل والياس حنكش وبولا يعقوبيان.
ويعترف عيتاني بوجود معارضين للمحرقة في الشارع، ويتفهم ذلك، “فكل شخص حر بإعطاء رأيه، لكن يا ريت لو بيشتغلو”. وعن مطالبة البلدية بإقرار الفرز من المصدر، يشير عيتاني إلى ان “دفتر الشروط يتضمن الفرزين الأول والثاني، أي على دفعتين. وطلبنا من الدولة أن تؤمن لنا موقعاً، فإن لم تعطنا موقعاً سيلغى المشروع”. ويلفت إلى أن “بيروت تنتج نحو 650 طناً من النفايات يومياً، وحجم هذه النفايات سيتجاوز الـ 800 طن خلال السنوات الأربع المقبلة”.
ويبدو أن الاعتراض ليس مقتصراً على الشارع، بل الانقسام واضح في البلدية، إذ يعبّر نائب عيتاني، إيلي أندريا، لـ”نداء الوطن” عن معارضته التامة لإنشاء المحرقة. ويؤكد أن “أعضاء من المجلس قدّموا العديد من الكتب المعارضة وينتظرون الحصول على إجابة عليها”. ويعترض هؤلاء على عدم تحديد دفتر الشروط للموقع الذي ستقام عليه المحرقة، وعلى عدم القيام بدراسة للأثر البيئي. ويلفت نائب رئيس البلدية إلى أن “المخطط التوجيهي العام لبيروت يمنع الترخيص لإنشاء محرقة فيها، إذ تعتبر منشأة من الفئة الأولى”. ومن المستغرب عدم التفات رئيس البلدية للأمور التي يشير إليها نائبه. في حين يتمنى عيتاني لو أن المعترضين “بيشتغلو”، يقول أندريا إنه طرح إنشاء معامل للفرز، وأن يتم تسبيخ النفايات العضوية بعد الفرز واستخدام الفضلات الأخرى في عملية إعادة تأهيل الأماكن التي تضررت من الكسارات.
نفايات الجميع
ويشير أحد مسؤولي مجموعة ناشطي “بيروت 24” نديم بيضون إلى أن “الثغرات هي في دفتر الشروط”، متسائلاً: “كيف يمكن للجهة نفسها أن تفرز وتحرق في الوقت نفسه، ومن سيراقب هذه الجهة ليتأكد من صحة الفرز طالما أن مصلحتها تقضي بادخال الكمية الأكبر إلى المحرقة، فالشركة تتقاضى أموالها على الطن”. ويستغرب بيضون أن “ترفض المناطق الأخرى نفايات بيروت فيما العاصمة تستقبل الجميع في كل القطاعات، كما أن جزءاً كبيراً من الذين ينتجون النفايات هم من خارج المدينة”.
وترجّح الإختصاصية في الإدارة البيئية وعضو ائتلاف إدارة النفايات، سمر خليل، أن تحال البنود المتعلقة بالمحرقة إلى مجلس الوزراء لإيجاد الأرض التي ستنشأ عليها. “لأن الإنشاء هذا مخالف للقانون، وليتمكنوا من المخالفة يحتاجون إلى قرار من مجلس الوزراء”. وفي حين يصر عيتاني على المضي بمشروعه غير آبه بالاعتراضات، يبدو أن رهان معارضي المحرقة بات على ألا تجد البلدية أرضاً تنفذ عليها المشروع. وخلال الكلمة التي ألقتها في الاعتصام قالت خليل: “نفاياتنا لا تحتوي على طاقة حرارية، فكيف سنتمكن من إنتاج الطاقة من نفايات تشكل نسبة المياه منها 65% إن كنا عاجزين عن إنتاج الطاقة من الفيول؟ّ”. وقدّرت الخليل الخسائر المالية الناجمة عن خلط مواد يمكن تدويرها مع النفايات في المحرقة بنحو 272 مليون دولار سنوياً.
جعجع ضدّ دفتر الشروط
وفي ظل كل هذا الجدل، تنأى وزارة البيئة بنفسها عن قرار بيئي مصيري سيتحمل لبنان تبعاته لسنوات طويلة، وكأنها غير معنية بملف النفايات أو مواجهة المخاطر البيئية، أو حتى تبديد مخاوف الناس في حال لم تكن مبررة. ويكتفي الوزير بجولات إلى معامل الفرز من دون القيام بخطوات جدية تشجع المواطنين على الفرز، بل يتعاطى مع المحارق كأمر واقع تفرضه الحاجة. ويساعد عدم إرسال عيتاني دفتر الشروط ودراسة الأثر البيئي إلى الوزارة، الوزير على التهرّب من مسؤولياته.
وفي حين، أعلن ممثل حزب “القوات اللبنانية” في بلدية بيروت، راغب حداد، رفض مشروع المحرقة. أعلن رئيس الحزب، سمير جعجع خلال افتتاح “مؤتمر صناعة قوية لجمهورية قوية”، أنه ضد دفتر الشروط لأنه لا يفي الشروط المطلوبة، لكنه ليس ضد معمل التفكك الحراري. “فلا غنى عن حلول جدية لأزمة النفايات، ومعامل التفكك الحراري هي أحد الحلول الجدية، لكن ليس أي معمل”. ودعا جعجع بلدية بيروت إلى إعادة النظر في بعض البنود.