… حتى قبل أن تُطوى كل تداعيات «أحداث عاليه»، بدأتْ «العدساتُ» تتجّه إلى عاصمةِ الشمال طرابلس التي من المقرَّر أن يحطّ فيها بعد غد رئيس «التيار الوطني الحرّ» وزير الخارجية جبران باسيل، من ضمن «جولات الأحد» الأسبوعية على المناطق التي دأبَ عليها منذ أسابيع، وآخرها تلك التي فجّرتْ الأحد الماضي «غضبةً» في الجبل دخل معها لبنان منعطفاً بالغ الحساسية.
وفيما كانت بيروت تشهدُ استكمالَ مَساعي إطفاء ارتداداتِ الاختبار الخطير الذي شكّلتْه واقعةُ قبرشمون التي سَقَطَ فيها اثنان من مرافقي الوزير صالح الغريب (من حزب النائب طلال إرسلان) خلال اشتباكٍ مع مُناصِري «الحزب التقدمي الاشتراكي» (يتزعّمه وليد جنبلاط) الذين عبّروا عن رفْضهم زيارة باسيل إلى كفرمتى، شخصتْ العيونُ على طرابلس التي يُخشى أن يؤدي إصرارُ رئيس «التيار الحر»، على زيارتها على وهْج «هزة الجبل» ورغم مظاهر الاعتراض على هذه المحطة، إلى مضاعفاتٍ كبيرة يمكن أن تنقل البلاد إلى مرحلةٍ أكثر تَأَزُّماً.
ورغم ترجيح أوساط عدّة مضيّ باسيل بقرار زيارة طرابلس في الموعد المحدَّد بعد غد، تفادياً للظهور بمظهر المُنْكسِر، وانسجاماً مع ما أعلنه عن أن جولاته هي للتلاقي و«سنكشف في كل منطقة مَن يريد الفتنة»، فإن مصادر سياسية لم تُسْقِط من الحسبان إمكان إرجاء هذه المحطة لأسبوع ريثما تكون مرّت «عاصفة قبرشمون» وتَلافياً لتداخُل مفاعيل «المفاجآت غير المفاجئة» التي تكمن لباسيل في عاصمة الشمال مع «التشظيات» التي لم تهدأ بعد لأحداث عاليه.
على أنّ أوساطاً مُتابِعَةً لم تستبعد عبر «الراي» أن يكون «احتجازُ» انعقاد مجلس الوزراء وعلى الأرجح للأسبوع المقبل مرتبطاً في أحد جوانبه بما ستؤول إليه زيارة باسيل المفترضة لطرابلس والتي تُقابَل حتى الساعة باعتراضاتٍ معلَنة من فاعليات في المنطقة وناشطين على مواقع التواصل وبصمتٍ من حلفاء لـ«التيار الحر» وبـ«ترحيبٍ مشروط» من بعض أطراف المدينة بـ«احترام خصوصيات عاصمة الشمال واعتماد خطاب سياسي يراعي حساسية الوضع».
وفي رأي هذه الأوساط أن من شأن إبقاء جلسات الحكومة مُعلَّقةَ، رغم ربْط ذلك باكتمال مراحل «خريطة الطريق» للملمة ذيول أحداث عاليه ولا سيما تسليم كل المتورّطين، أن يشكّل ما يشبه ورقةَ الضغطِ في محاولةٍ لإمرار زيارة طرابلس، بحال الإصرار عليها، بأقلّ الأضرار وإلا فإنّ ما بعد محطة الأحد حكومياً قد لا يكون كما قبْلها، ولا سيما أن «التيار الحر» سيرْمي «كرة طرابلس» في ملعب رئيس الحكومة سعد الحريري و«تيار المستقبل» صاحب الثقل الوازن في أحد أبرز مَعاقِله والذي كانت بيئتُه أبدتْ تململاً واسعاً من أداء رئيس «التيار الحر» أخيراً وخصوصاً إبان «الأزمة» التي فجّرها كلامٌ نُسب إليه عن «السنية السياسية التي جاءت على جثة المارونية السياسية».
وكان لافتاً أن «حركةَ الاعتراضِ»، على زيارة باسيل لطرابلس، تلقّفتْ ما اعتُبر «تهديداً» وجّهه رئيس «التيار الحر» الى وزيرة الداخلية ريا الحسن (ابنة طرابلس) قبيل اجتماعِ المجلس الأعلى للدفاع الاثنين الماضي، حيث أشارت تقارير إلى أن باسيل بادرها (على خلفية موقفٍ وُصف بأنه ملتبس لها من أحداث عاليه) «انتبهي لحالك»، فردت عليه: «ما بسمحلك تقلي هيك؟ ولا تهددني، فهمت؟ انا وزيرة داخلية على رأس السطح»، فأجابها «انتبهي ع حالك عم قلّك»، لتجيب بلهجة حادة: «روح شوف حالك، انا ما حدا بيهددني».
وفيما لم تنف الحسن هذه الواقعة، فإن محاولة مصدر وزاري التخفيف من وطأة هذه الرواية بالحديث عن أن وزيرة الداخلية وبعد نقاشٍ مع وزير الدفاع الياس بو صعب سألت باسيل «زعلان مني»؟ فأجاب معاتِباً «في حدود وبدك تنتبهي»، لتردّ الحسن: «شو عم بتهددني»؟ فتابع باسيل: «هلق هيك فهمْتيها»؟ لم تمنع تَفاعُلَ الأمر على المواقع الإخبارية تحت عنوان «ريا ما بتهدد»، وصولاً إلى التداول بفيديو تهديدي لأحد أبناء طرابلس تناول بالشتائم باسيل ومرجعيات سياسية كبرى ومتوعّداً وزير الخارجية بحال زار عاصمة الشمال، الأمر الذي قابلتْه وزيرة الداخلية بتغريدة انتقدت فيها الشريط ومَن «أعطى نفسه حقوقاً بكيل السب والشتائم لرؤساء وقيادات وشخصيات، بحجة نصرتي والدفاع عني ورد الإهانة عن نساء طرابلس»، معتبرةً أن «الكلام السفيه الذي أورده الشاب لا يشرّفني ولا طرابلس ونساءها وأهلها ويقع في نطاق الخروج على الأخلاق والقيم والقانون».
وفي موازاة ذلك، كان مَسارُ احتواء حادثة قبرشمون يمْضي تحت سقف معادلة تسليم «التقدمي» المتورّطين بمقتل مرافقيْ الوزير الغريب ومطالبة جنبلاط بأن تشمل التوقيفات المشارِكين بإطلاق النار من فريق إرسلان الذي وافق على تشييع المرافقيْن (اليوم وغداً) قبل اكتمال توقيف المطلوبين.
وشكّلت أحداثُ عاليه طَبَقاً رئيسياً في العشاء الثلاثي الذي أقامه رئيس البرلمان نبيه بري ليل الاربعاء وجمعَه إلى كل من الحريري وجنبلاط، خلص إلى تأكيد عودة العلاقة الى مَجاريها بين رئيس الحكومة ورئيس التقدمي وأن تباينات الأيام الماضية حول ملفات داخلية «باتت من الماضي».