كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط”:
قالت مصادر وزارية مطلعة بأن عدم انعقاد مجلس الوزراء الأسبوع المقبل سيؤدي حتماً إلى إقحام البلد في أزمة سياسية يفترض أن يكون في غنى عنها، خصوصاً أن لا مبرر لربط انعقادها بإحالة الحوادث الدامية التي حصلت في بعض بلدات قضاء عاليه على المجلس العدلي، طالما أن المساعي السياسية أثمرت عن مبادرة رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى تسليم المشتبه بهم في هذه الحوادث من دون أن يشترط تجاوباً مماثلاً من الحزب «الديمقراطي اللبناني».
وكشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن تأجيل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء كان في محله، وقالت إن رئيس الحكومة سعد الحريري لعب دوراً في استيعاب الارتدادات السياسية والأمنية التي ترتبت على هذه الحوادث من جهة وفي تنفيس أجواء الاحتقان وقطع الطريق على نقل الاشتباك السياسي إلى داخل الحكومة.
ولفتت المصادر إلى أن عدم انعقاد مجلس الوزراء في جلسة عادية في مطلع الأسبوع المقبل سيولد بوادر أزمة سياسية، وقالت إنه سيكون للرئيس الحريري كلام آخر وإن كان من السابق لأوانه حرق المراحل في ضوء استمرار المساعي الرامية إلى تبريد الأجواء من ناحية وإلى خفض منسوب التوتر لدى بعض الأطراف.
ورأت المصادر أن مجرد عدم التجاوب مع الرئيس الحريري لعقد جلسة للحكومة الأسبوع المقبل سيدفع في اتجاه التصعيد السياسي وعندها سيكون لكل حادث حديث. وقالت إن رئيس الحكومة كان وراء تعطيل الألغام السياسية عندما قرر ترحيل الجلسة إلى موعد آخر على أن لا يقابل بموقف يُشتمّ منه أن هناك من يخطط لتمديد تأجيل الجلسات.
ومع أن المصادر ترفض الدخول في ملابسات تأجيل الجلسة إفساحاً في المجال أمام التهدئة النفوس وترى أن لا مصلحة في الانجرار إلى سجال ليس في محله، فإن ما أشيع لجهة أن رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل كان وراء تأجيلها من خلال وجود ثلث أعضاء الحكومة في مقر وزارة الخارجية، وإن كان بعضهم توجّه لاحقاً إلى «السراي الكبيرة» حيث كان مقرراً انعقاد الجلسة، لم يكن ضرورياً، وهناك من يتعامل مع ادعاء البعض بأن باسيل وراء تطيير النصاب لضمان انعقادها على أنه ادعاء غير محسوب. واعتبرت أن هذا الادعاء لا يخدم من حاول تسريبه على أنه أمر واقع فُرض على رئيس الحكومة، وقالت إنه سيف ذو حدّين ويمكن أن ينقلب في أي لحظة على من خطّط من وجهة نظره لتطيير النصاب.
وحذّرت من لجوء البعض إلى تكرار «السيناريو» الذي اعتمد لتطيير حكومة الرئيس الحريري عام 2011 أثناء اجتماعه بالرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، وقالت إن الظروف تبدّلت الآن وأن زمام المبادرة بيد الرئيس الحريري، ومجرد تفكير البعض في استحضار نسخة عن هذا السيناريو يعني أنه أقحم نفسه في مغامرة سياسية غير محسوبة الأهداف والنتائج.
وشدّدت المصادر الوزارية على أن زمن التهويل على الحريري أو ابتزازه قد ولى وإن من يفكر بتكرار سيناريو عام 2011 يكون قد قرر أن ينتحر، وقالت إن الجميع يتذكر ذلك الاجتماع في مقر «التيار الوطني» في الرابية وقرار المجتمعين الإطاحة بالحكومة بذريعة رفض الحريري إحالة شهود الزور في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على المجلس العدلي.
وفي هذا السياق سألت المصادر ماذا كانت النتيجة في حينها؟ ألم يسحب من أسقطوا حكومة الحريري شرطهم في إحالة شهود الزور على المجلس العدلي وتعاملوا فور تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وكأن هذا الطلب لا يعنيهم؟
لذلك رأت المصادر أن الظروف الراهنة تبدّلت وأن وجود الحريري على رأس الحكومة هو حاجة محلية وضرورة إقليمية ودولية لأنه لا يزال موضع ثقة من وجهة نظر المجتمع الدولي، وقالت إن مجرد التفريط بهذه الثوابت يعني أن الفريق المؤيد لرئيس الجمهورية ميشال عون هو من يضعف «العهد القوي»، هذا إذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن التلويح بتعطيل الحكومة في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد سيؤدي إلى إقحامه في أزمة حكم تتجاوز الأزمة الحكومية.
فهل يبقى الرئيس عون صامتاً حيال من يحاول أن يستنزف عهده من المحسوبين عليه إن لم نقل إنهم من أهل بيته؟ مع أن المصادر الوزارية كانت تفضّل بقاء الوزراء المحسوبين على العهد في منأى عن التجاذبات السياسية التي رافقت تأجيل الجلسة؟
هناك من يجيب على هذا السؤال بقوله إن الرئيس عون سيتدخل في الوقت المناسب لإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية بدءاً بتفعيل اجتماعات مجلس الوزراء مع استعداد البرلمان لمناقشة مشروع الموازنة للنصف الثاني من هذا العام.
ناهيك أن لقاء المصارحة والمصالحة الذي توّج بين الحريري وجنبلاط برعاية مباشرة من رئيس البرلمان نبيه بري سيدفع في اتجاه تطويق أي محاولة يراد منها العودة بالبلد إلى الوراء، خصوصاً أن تعطيل الحكومة ومنعها من أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الظرف الدقيق الذي تمر فيه المنطقة يعني أن هناك من يتطلع إلى «تشريع» الفراغ وهذا لا يصب في مصلحة العهد.
وترى المصادر الوزارية أن تجاوب جنبلاط مع المبادرة التي يتولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وقيامه بتسليم المشتبه بهم في الحوادث الدامية ليأخذ التحقيق مجراه، يفترض أن على أرسلان أن يلاقيه في منتصف الطريق وهذا يتطلب منه التعاون لتسليم من شاركوا في هذه الحوادث.
ومن شأن ذلك أن يُسهم في التهدئة في ضوء الانتقال من مرحلة التصعيد إلى تبريد الأجواء مع قرار أرسلان التجاوب مع طلب الهيئة الروحية العليا للطائفة الدرزية بتحديد موعد لدفن مرافقَي الوزير صالح الغريب شرط أن يمهد كل ذلك الطريق لإعادة الانتظام إلى مؤسسة مجلس الوزراء.