كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
تقول الرواية إنّ عشاء لدى أصدقاء لبنانيين جمع، صدفة، نادر الحريري مع ضيوف أجانب. ولدى مناسبة الحديث عن “الوحول” اللبنانية وما يمكن لأي مستثمر أجنبي مواجهته لناحية تغلّب نفوذ الأمر الواقع الذي تفرضه حيتان المال السياسي على القوانين المرعية الاجراء، اكتشف الحريري أن محدّثه ليس سوى نجل رئيس الشركة اليونانية المدّعية على الدولة اللبنانية على خلفية معمل دير عمار.
سرعان ما تلقّف نادر الصدفة ليحيلها فرصة لإعادة هندسة الاتفاق مع الشركة الأجنبية. وبالفعل سرعان ما دبّر موعداً مع رئيس مجلس ادارتها، ليعيد تدوير الاتفاق، في موازاة العمل على صياغة شبكة أمان مالية تتولى بناء المعمل بعد تعرض الشركة اليونانية للافلاس.
المغزى الأهم من هذه “السردية”، هو أنّ نادر الحريري كان بارعاً في التقاط الفرص والمبادرة باتجاهها. ليس فقط كونه ظلّ ابن عمة سعد الحريري ورجله الأكثر نفوذاً ورفيق طفولته وكاتم أسراره والحائز على ثقته، بل لأنه “بعقل” رجل أعمال.
أسقط براعته في إدارة المحافظ المالية، على المحافظ السياسية وعرف كيف يديرها، حين بدت “محفظة” رئيس تيار “المستقبل” خاوية من أي مشروع استثماري بعدما شطرت الظروف الاقليمية والمحلية قوى “14 آذار”، إلى 14 فريقاً… فحَبكَ تفاهماً “جهنمياً” مع من هو قادر على “مواكبة” طموحاته في عالم “البزنيس السياسي”، والمقصود به رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
سطع نجم نادر في “زمن التوأمة” مع باسيل، إلى حدّ أنّ كثيرين استصعبوا أن يكون دور من رافق سعد الحريري منذ العام 2005 واكتسب ثقته العمياء قد انتهى بشحطة قلم… وإلى حدّ أنّ رئيس الحكومة لم يعد يقوَ على هضم هذه “النجومية” وتضخّم حساباتها المالية. فيما نادر لم يتأقلم مع وضعه الجديد كرقم 2 في الهيكلية “الزرقاء”. وكان لا بدّ من أن يدفع ثمن خوضه “المعركة” بعد أزمة استقالة الحريري من السعودية.
خرج نادر، أو أخرِج من الدائرة الضيقة، لا يهم. المهم أنّه، في ليلة القرارات الكبيرة التي غلّفها رئيس “تيار المستقبل” بسلّة اجراءات تنظيمية داخل تياره على خلفية الاخفاق خلال الانتخابات النيابية، أحال كبير مستشاريه، إلى مجرد ابن عمة.
بات الرجل خارج الكادر كلياً. لم تنفع كل الشائعات التي أطلت برأسها من فترة إلى أخرى متكهنة باحتمال عودة “الابن المضلل” الى بيت “أبيه السياسي”، في كسر قرار وضعه على الرفّ. فعاد إلى المكان الذي يعشقه: عالم البيزنيس والمال.
هكذا، اتخذ من وسط بيروت، قرب سوليدير مقراً لمكاتب شركته الخاصة. استعان بموظفين سابقين في “سعودي اوجيه”. ويتطلع الى حجز مكان لمنظومته الاستثمارية على الخريطة العالمية وتحديداً في أفريقيا.
ورغم ذلك، لا تزال العلاقة العائلية محمية ومحصنة بفعل حرص والدته النائبة بهية الحريري التي لها مونة خاصة على ابن شقيقها سعد الذي ترعرع مع أبنائها، على ترتيب العلاقة وتنقيتها من الشوائب. لقاءات شبه دورية تجمع بين “توأميّ الأمس”، وهي التي حالت دون مغادرة الأمين العام للتيار أحمد الحريري المدار الأزرق كرد فعل داعم لخروج شقيقه.
لا بل أثبتت الأيام أنّ سعد حريص على مكانة أحمد وموقعه فتحوّل الأخير رأس حربة الدفاع عن الحريرية السياسية، بعدما أطاح الحريري في نسخته المنقحة بعد الانتخابات، كل صقور فريقه.
لكن هذا لا يمنع أبداً نجل رفيق الحريري من قطع كل جسور التشاور السياسي أو حتى المالي مع نادر الحريري. ما بقي بينهما هو الرابط العائلي فقط والقليل من الصداقة.
ولكن شبكة العلاقات التي حفرها نادر حين كان رجل الحلقة الحريرية الأقوى، وصقلها بفعل التلزيمات المالية التي أشرف عليها، تجعل من الصعوبة “اقتلاعه” من المشهد الداخلي بسهولة. هذا ما يسمح له في أن يكون مقصد العديد من السياسيين، وتحديداً من دائرة رئيس الحكومة. التقى قبل أيام جبران باسيل، وتواصل مع ريا الحسن وجمال الجراح ونهاد المشنوق ورضوان السيد وغيرهم… ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ الرئيس الحريري لا يهضم بسهولة هذه الحركة، حتى لو لم يفصح عن انزعاجه أمام أحد.
يُنقل عنه قلقه على وضع ابن خاله، وعلى “الحالة الحريرية” بشكل عام. يعيد التأكيد أن لا بديل عن سعد ولا بدّ في المقابل من الإحاطة به من كل جانب وتوسيع بيكاره واعادة مدّ الجسور مع المختلفين. ويدرك تماماً أنّ عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، لتعيده “عقلاً مدبراً”.
وقد يكون خروج نادر من الحلقة المؤثرة، من الأسباب غير الملموسة لاهتزاز التركيبة المالية التي أشرف عليها بنفسه لتكون “شبكة أمان” لـ “الحريرية المتجددة”. ولهذا يقال إن بعض التلزيمات تشهد تعثراً، ومنها مثلاً “دير عمار2″، ومشاريع كان يفترض أن تؤول إلى آل العيتاني.
وما تعيينه من جانب منظمة الاونيسكو سفيراً لجزر “سانت فينست أن غرندين”، إلا تأكيد على سقوط فرضية عودة نادر إلى بيت الوسط، الذي يجاوره في الإقامة… أما في السياسة فصار وابن عمته “غريبين”.