Site icon IMLebanon

هل يأتي الحصار على باسيل بما يُراد له أم يردّ بما لا ينتظره الخصوم؟

كتب أنطوان الأسمر في صحيفة “الأخبار”:

يُعدّ إختبار السير بين الألغام والتخصّص في نزع فتائلها، جزءًا رئيساً في إمتهان العمل السياسي. وهو أمر يختبره يومياً حول العالم القادة السياسيون والحزبيون، حدّا بات جزءًا من ألفباء مناهج معاهد تخريج الكوادر، تماما كما يتعلّمون فن نصب الكمائن الإستباقية أو اللاحقة.

ثمة من يعرّف بناء الفخاخ السياسية على أنه يقوم على أساس الحقائق الفكرية والسياسية والتاريخية، ومنها حقائق القوة والضعف وقوة التأثير وضعفه، وعلى أساس التضليل والمناورة والخداع والكيد والمكر، وعلى أساس فهم حال القوى السياسية المستهدفة ومعرفة طموحاتها وأهدافها لكي يتأتى حسن اختيار المصيدة والطعم المناسب للفريسة المستهدفة.

وقد يجري نصب أكثر من فخ للخصم في وقت واحد ظاهر وخفي ومفاجئ لضمان وقوعه في واحد منها. يستلزم الكشف عن الفخاخ السياسية الوعي الذي يعتمد على الحقائق وعلى الدلالة السياسية، بمعنى أن الأمور الدقيقة تكشف أمورا عظيمة خفية. وتستلزم النجاة من الفخاخ السياسية القاتلة الاستقامة وإخفاء المضامين والأبعاد للأفكار والأعمال والوسائل الإستراتيجية والإدارية، وكتمان الأحوال السياسية التي تستوجب الإخفاء.

من بين القادة السياسيين، جُلّ من لم يتعرّض في مسيرته الى إنفجار لغم سياسي فشل في إبطاله أو في إبطاء فتيله. لذا بات لزوم التعامل مع النتائج قدرا لا مفر له للحدّ قدر الإمكان من الخسائر، طالما أن نماذج كثيرة فقدت أرواحها – سياسيا- بفعل فشلها في إحتواء مضاعفات دوسها على تلك الألغام.

لا تُخفى الفخاخ التي تنصب لجبران باسيل من كل حدب صوب، تغرسها قوى مناوئة (وربما ما هو أخطر وأقسى وأدهى، ومفخخات الجبل نموذجا) ترى فيه تهديدا لمصالحها ووجودها وإستمراريتها، وأخرى تنافس في السباق السياسي الحاصل الذي يُراد له أن يكون تمهيدا ميدانيا بالنار للإستحقاق الرئاسي بعد ٣ سنوات ونيف من اليوم.

يعتبر المحيطون بباسيل أن إختبار كفرمتى وقبرشمون ليس سوى واحد في مسيرة إنتصاب العقبات والعثرات والكمائن السياسية والأمنية، بدءا من إغتيال الشخصية Character Assassination حيث الرمي بقذائف الفساد والسرقة والصفقات، وليس إنتهاء بمحاولات فرض الحصار السياسي والميداني على حراكه الأسبوعي بين المناطق. وما كان لهذا الحراك أن يُرجم لو أنه لا يأتي بثمار لا يستطيب مذاقها خصومه من التقليد المناطقي – المقاطعجي، المتناغم حتى في إقتتاله البيني. ويعتقد هذا التقليد حدّ اليقين أن مكتسباته يمسّها غريبٌ، وافدٌ من خارج السرب الإقطاعي، يتهدد ما يسميه هذا التقليد خصوصية، وهو في الحقيقة والواقع عبارة عن نفوذ مركّب ومعقّد بناه وراكمه على مرار عقود وربما قرون، ثمرة لإقتطاع النفوذ والسلطة والخدمات، ولن يعدم طريقة وفرصة وسبيلا للحفاظ عليه، بالدم أحيانا كثيرة. الشواهد كثيرة على هذا الأنموذج في الإحتفاظ بالحظوة وإحتكار السلطة المقاطعجية، وبعضها تسبب بإنقسامات ومجازر، وخصوصا في مناطق الإقتسام الميليشوي الصافي زمن الستينات والسبعينات والثمانينات، وكذلك في مناطق التنافر الطائفي في الزمن نفسه.

قد تكون نقطة قوة باسيل هي نفسها نقطة ضعفه. فعناده وديناميته والطموح والبحث عن الأكثر والتنقيب الأزلي في اللامألوف واللاتقليدي، هي ما تجلب له هذا الكم من العداء والنفور والحقد، وهي ما توحّد خصومه وتدفعهم أحيانا كثيرة الى تخطّي خلافاتهم وتبايناتهم للإنتظام والتكتل المصلحي بغية قطع طرقه. كما قد تكون شخصيته وآلياته غير التقليدية في مقاربة أمور السياسة، جزءا من كل هذا الإنتظام.

هو لا ينكر هذا الحاصل ويتعامل معه بواقعية وبتدرّج وبعقل مركّب، لكنه لا يخفي إستياءه من بعض ناصبي الفخاخ وخصوصا أولئك الذين يتمادون، من مثل فبركة الكلام عن سوء علاقته برئيس الحكومة وأن ثمة مسعى لمصادرة الصلاحيات من باب تعديل الدستور بالممارسة، ومن مثل إختلاق أزمة متخيّلة مع قائد الجيش على خلفية التنافس الرئاسي، فيما هو يؤكد أن العلاقة مع الرجلين ثابتة.

الواضح أن ثمة من بين الطبقة السياسية من يرصد حصارا على باسيل ليس فقط بصفته الحزبية والوزارية، لكن الأهم بصفته المرشح الرئاسي القوي. هؤلاء الراصدون لم يعدموا جهدا من أجل تصليب هذا الحصار وشد الخناق قدر الإمكان، لإعتقادهم أن باسيل هو راهنا المرشح «الفافوري»، وأنه لا بد من تطويق حراكه ومنع تمدده سياسيا وحزبيا وخصوصا في البيئات المسلمة، في موازاة إستمرار العمل على تشويه صورته خارجيا، لا سيما في عواصم القرار المؤثّرة في أي إستحقاق لبناني.

فهل يأتي الحصار على باسيل بما يُراد له من فرملة وتحييد، أم أن الرجل سيفكّر مرة جديدة من خارج الصندوق ويأتي لخصومه بما لا ينتظرون؟