لم يكن الخميس 5 تموز 2018 يوما عادياً في تاريخ العلاقات المتراقصة على خطوط التوتر السياسي العالي بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ذلك أنه اليوم الذي اتخذ فيه رئيس حزب القوات سمير جعجع قرار الكشف عن بنود اتفاق معراب التي اعتبرها الطرفان سرية، وهما اللذان اكتفيا بكشف البند الأول، في مرحلة سابقة، والقاضي بايصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية ، وهو البند الوحيد الذي نفذ بحذافيره بعد أقل من عام على توقيع الاتفاق.
غير أن الفشل في ترجمة هذا التفاهم تحالفات انتخابية، معطوفا على المواجهة المفتوحة التي خاضها الجانبان في ميدان الصراع التحاصصي الحكومي، دفعا بجعجع إلى كشف النقاب عما أريد له أن يبقى “وراء الكواليس” أو على الأقل، بين سطور الاتفاق. على أن النتيجة بدت صادمة: ففيما كان رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل يرفع البطاقات الحمراء في وجه نيل القوات ما تطالب به من حقائب وزارية، معتدا بأن نتائج الانتخابات أظهرت تفوقاً مسيحيا “برتقاليا”، كشفت معراب أن تفاهمها مع ميرنا الشالوحي ينص صراحة وبوضوح لا يحتمل لبسا على تقاسم الطرفين وحلفائهما الحصص الوزارية والتعيينات الادارية.
وإذا كانت الولادة الحكومية ما كانت متاحة لولا ما تسميها مصادر سياسية عبر “المركزية” تنازلات القوات، علما أنها نالت في نهاية المطاف منصب نائب رئيس الحكومة، فإن العام الأول بعد الكشف عن مجمل ما تضمنه الاتفاق مر بمطبات كثيرة من التوتر بين الحزبين، يبقى أهمها الكباش الذي بدأت معالمه تطفو باكرا على السطح السياسي، في شأن التعيينات الادارية وتلك المتعلقة بالمجلس الدستوري، قبل أن تخطف حادثة قبرشمون الدموية كل الأضواء.
وتلفت المصادر أيضا إلى أن فيما كانت القوات تخوض معركة الدخول إلى المجلس الدستوري، وإن كان هذا الخيار يعني الغوص في وحول مواجهة جديدة مع الشريك البرتقالي، فإن معراب بدت حريصة على التشديد على ضرورة اعتماد آلية تضمن وصول الأشخاص المناسبين من أصحاب الكفاءات إلى المواقع التي تناسبهم، في ما يمكن اعتباره سلاحا في مواجهة ما تسميه القوات “منطق المحاصصة”، الذي تعتبر أن التيار العوني يسير بهديه في ملف التعيينات، مذكرة في هذا الاطار، بأن جعجع كان نقل المواجهة إلى مكان مختلف تماما، بقذفه الكرة مرارا وتكرارا إلى ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دون سواه (علما أن القوات تجهد في تأكيد الفصل بين شخص الرئيس عون والتيار الوطني الحر ورئيسه)، ذاهبا إلى حد تحذيره من أن أحدهم يحاول إفساد العهد.
وفي انتظار الاستجابة لمطلب الزعيم القواتي، تؤكد المصادر أن أحدا لا يرى مصلحة له في الاجهاز المركّز على ما بقي من تفاهم معراب، أي شقه الشعبي. لكن الثابت أن العام الأول الذي طوته رزنامة الزمن على الكشف عن مضمون تفاهم معراب، يؤكد بما لا يقبل شكا، ما يخالج نفوس كثيرين من الدائرين في الفلك العوني والقواتي: تفاهم معراب، في شقه السياسي، وقع ضحية المحاصصة والتعيينات!