ما سبب التراجع الكبير في معدلات النجاح لتلامذة مدارس وكالة الأونروا في الامتحانات الرسمية؟ هل هو سياسة الترفيع الآلي، وطريقة التقييم الحديثة وخفض نسبة الرسوب في الحلقة الأولى وتحويل الكفاءات التعليمية إلى الأعمال الإدارية، أم هو إهمال التلامذة وأهاليهم؟
هذا العام، لم تتجاوز نسبة نجاح التلامذة الفلسطينيين في «البريفيه» 43.57%. النتيجة دراماتيكية إذا ما قورنت بمعدل النجاح العام في لبنان الذي بلغ 74.26%، وبمعدل النجاح في مدارس وكالة الأونروا نفسها، العام الماضي، الذي لامس 71%. إلاّ أنّ النسبة المتدنية لهذا العام تأتي في سياق انخفاض تدريجي لمعدلات النجاح ربطاً بالسياسات التربوية والإجراءات التقشفية للوكالة في السنوات الأخيرة، بحسب ما جاء في تقرير حقوقي أعدته المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان (شاهد) ورصدت فيه الأسباب المباشرة والتراكمية لتدني المعدلات، مصوّبة باتجاه البحث بجدية عن وسائل وآليات للخروج مما سمته «المأزق التربوي» الذي يمرّ به التلامذة الفلسطينيون في لبنان.
المؤسسة تحدثت عن سياسات غير مدروسة انتهجتها وكالة الأونروا في التعليم، وكان لها الأثر الأكبر في تراجع المستويات، ومن هذه السياسات اعتماد الترفيع الآلي في العامين الماضيين، وخفض نسبة الرسوب إلى أدنى حد، ما أدى إلى إهمال التلميذ لدروسه، باعتبار أن نجاحه سيكون مضموناً في نهاية العام الدراسي. وفي السياق، اشترطت الوكالة في قرار اتخذته، في أيار 2017، ألّا يكون هناك أيّ رسوب في الصفين الأول والثاني أساسي مع استثناءات مبررة، وألّا تتعدى النسبة 7% في الثالث والرابع والخامس والسادس أساسي، و8% في السابع، و15% في الثامن، على أن يُعتمَد في التاسع أساسي (البريفيه) على نتائج الامتحانات الرسمية. يعني ذلك، كما أوضح التقرير، إلغاء الرسوب نهائياً في الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، ووضع التلميذ في الصف الذي يتناسب مع عمره من دون الاهتمام بتسلسل السنوات الدراسية له.
التقرير رأى أنّ سياسة التقييم الجديدة لمستوى التلميذ، التي تعتمد على الحضور والمشاركة اليومية والانضباط، والأبحاث والأنشطة، وتستأثر بجزء لا بأس به من علامة التلميذ، لم تعكس المستوى التعليمي الحقيقي للتلامذة، إذ أعطت نتائج موهومة وغير واقعية، لا تأخذ بالاعتبار أن التقييم في الشهادات الرسمية يكون من خلال ما اكتسبه التلميذ من معلومات وما كتبه في كراس الإجابة.
القرار بوضع 50 تلميذاً في الصف الواحد أثّر أيضاً، بحسب التقرير، في قدرة المدرسين على متابعة تلامذتهم، فيما أعطى الازدحام فرصاً للتلميذ لعدم الاكتراث بالتحصيل العلمي والتفلت من المحاسبة.
التقرير انتقد أيضاً تلزيم دورات تأهيل المدرسين تربوياً للعديد من الجامعات الخاصة، وإنفاق مبالغ طائلة على هذه البرامج من دون جدوى، وعلى برامج تربوية متعددة لم تخدم جودة التعليم ولم تغيّر واقع التحصيل العلمي، فضلاً عن تحويل عشرات المدرسين ذوي الخبرات العالية إلى أقسام إدارية وإشرافية واستشارية وملء الشواغر بمدرسين حديثي التخرج والخبرة. ووفق التقرير، حرم برنامج Emis لإدخال البيانات وعلامات التلميذ، المرتبط بالإدارة العامة للأونروا في عمّان، الأهالي معرفةَ مستويات التحصيل العلمي لأبنائهم، لأنه ألغى نظام الامتحانات الشهرية، بحيث تعذّر على الأهل استدراك الفجوة أو التقصير لدى أبنائهم. وبدا لافتاً ما أشار إليه التقرير لجهة عدم تعاون الأهل عموماً في متابعة تحصيل أولادهم في المدارس بسبب الصورة النمطية لديهم بأنّ مدارس الأونروا أصبحت مراكز للإيواء أكثر منها للتربية والتعليم!
وعلى الرغم من أن «الأونروا» بنت مدارس حديثة وتخلصت من نظام الفترتين «دوام صباحي ودوام بعد الظهر»، في معظم المخيّمات الفلسطينية، إلا أن هذه المدارس ما زالت تعتمد، كما يقول التقرير، سياسة التعليم الكمّي، وتفتقر إلى وسائل الإيضاح والمختبرات الضرورية التي تُحسّن قدرات التلميذ وتصقل أفكاره.
بناءً عليه، أوصت مؤسسة «شاهد» بإعادة النظر في الكثير من السياسات التي فرضتها «الأونروا» في العملية التعليمية، مطالبة بإحالة المسؤولين في الوكالة على المساءلة الإدارية واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق كل مخالف أو مقصر في العمل الوظيفي التربوي، والتراجع عن قرار اتباع سياسة الترفيع الآلي وخفض نسبة الرسوب في جميع المراحل التعليمية.
وناشدت اتباع نظام تقييم يحدد المستوى الفعلي للتلميذ، من خلال إجراء امتحانات شهرية تظهر نواحي القصور لديه لاستدراكها مبكراً. ودعت الدول المانحة إلى دعم الاونروا لكي تتمكن من تقديم خدماتها وتحسين جودة التعليم في مدارسها، إضافة إلى ضرورة إيجاد مرجعية تربوية متخصصة تخضع للقيادة الفلسطينية، وتتدخل تقنياً لوضع حد للاستنزاف في المقدرات التعليمية لأبناء اللاجئين في لبنان.