IMLebanon

بري – جنبلاط: “شيفرة” معقّدة بين “الودود” و”اللدود”

كتب أكرم حمدان في صحيفة “نداء الوطن”:

يُتابع رئيس مجلس النواب نبيه بري تداعيات أحداث الجبل على قاعدة “الإحتكام الى العقل والحكمة والثقة بعقلاء الجبل”، وانطلاقاً من قناعته أن “للجبل خصوصية، وتاريخ لبنان السياسي يُعرف من خلال هذه الخصوصية، وما حصل لا يعالج بالسياسة وحدها ولا بالأمن وحده ولا بالقضاء وحده، إنما يعالج بترابط هذه الملفات الثلاثة بعضها ببعض”.

معادلات بري هذه أرسيت عبر الاتصالات واللقاءات التي أجراها مع مختلف الأطراف والأطياف السياسية ولا سيما داخل البيت الدرزي في الجبل، وبري صاحب العلاقة الطيبة مع الجميع لا يتوانى كـ”إطفائي” وصاحب مبادرات “حوارية” في الأوقات الحرجة ومبتكر حلول للأزمات المعقدة ومخرج “الأرانب” في أوقات “الحشرة”، عن لعب دور ضابط الإيقاع عندما يتهدد السلم الأهلي والإستقرار الداخلي.

أحداث الجبل التي جمّدت وما زالت أعمال الحكومة نتيجة الإنقسام الحاد حولها، وما سبقها وتلاها من دور قام به بري لوقف “الإشتباك” السياسي بين “تيار المستقبل” والحزب “التقدمي الإشتراكي” ولقاء المصالحة والعشاء الذي عقده بين رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط في عين التينة، وكذلك سعيه الدؤوب لتسوية العلاقة بين جنبلاط وحزب الله،كلها أمور تطرح مجدداً السؤال عن سر العلاقة التي تجمع بري مع جنبلاط حتى في أحلك الظروف وأشدها انقساماً وانشطاراً في المواقف والمواقع بين الرجلين.

من رافق تجربة الرئيس بري والنائب السابق جنبلاط منذ العام 1977 مروراً بفترة الإجتياح الإسرائيلي للبنان وانتفاضة 6 شباط 1984 وما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتحالف الرباعي وصولاً إلى اليوم، يُدرك صعوبة فك “شيفرة” هذه العلاقة الإستراتيجية بين حركة “أمل” والحزب “التقدمي الإشتراكي” وبين بري وجنبلاط “الصديق اللدود” بحسب وصف بري لجنبلاط في مرحلة سابقة، كما أن جنبلاط يعتبر أن بري الوحيد المؤهل للإتفاق معه.

ففي تجربة الحوار الذي رعاه بري ونظمه في مجلس النواب في العام 2008 تمهيداً لاتفاق الدوحة وانتخاب الرئيس ميشال سليمان وإنهاء الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، كان جنبلاط أول المرحبين والمساهمين من قوى “14 آذار” حينها على قاعدة وضع حد للفراغ والبناء على مكاسب حوار الـ 2006 التي حصلت عليها الغالبية آنذاك، كالعلاقات الدبلوماسية مع سوريا وترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية.

ولأن الرجلين يلتقطان إشارات بعضهما البعض قال جنبلاط حينها: “أنا مصرّ على العلاقة مع الرئيس بري والإتفاق معه ومن الممكن التوصل إلى صفقة سياسية معه وعدم تفويت فرصة يتيحها كرئيس للمجلس ورئيس لحركة “أمل”، لا أريد التحاور إلا مع بري لأنه أكثر من يضمن الحوار”.

وما بين “الودود” و”اللدود” كانت المحطة ما قبل الأخيرة بين الرجلين عندما أطلق جنبلاط رسالته في شهر نيسان الماضي تجاه مزارع شبعا ولبنانيتها، ووسط زحمة الردود والردود المضادة، جرى اتصال بين بري وجنبلاط تم فيه تبادل التوضيح والشرح حول حسم هذه القضية في حوار الـ 2006 ووقف السجال حولها.

وعلى الرغم من أن كلام جنبلاط أصاب بري في الصميم لأنه يقدم نفسه على أنه المدافع الأول عن الأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وغيرها، إلا أن ردّ بري على الذين حاولوا الدخول واللعب على العلاقة بينه وبين جنبلاط كان حاسماً: “لا تتعبوا أنفسكم لن أتقاتل أنا وجنبلاط”.

وبري يُدرك جيداً دقة التوازنات اللبنانية، ويشعر أنه معني شخصياً بتحصين هذه التوازنات ومعالجة أي خلل قد يصيبها، وبالتالي يتفهم هواجس جنبلاط تجاه “الجنوح” السياسي والسلطوي لدى البعض خارج ضوابط اتفاق الطائف، كما أن أي محاولة لفرض توازن جديد، لن تُصيب فقط موقع رئاسة الحكومة أو حضور جنبلاط في المعادلة الداخلية، بل ربما تطاول موقع رئاسة مجلس النواب، لذلك فإن بري يعمل على مواجهة استباقية عبر تسوية خلاف الحريري- جنبلاط.

يقول مقربون من بري لـ “نداء الوطن” إن “دور بري يُركز على حماية الاستقرار الداخلي على مختلف الصعد ويفصل في أدائه، خصوصاً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بين الدور “الحركي” كرئيس لـ “أمل” وبين الدور الوطني كرئيس للمجلس والذي يُراعي التركيبة اللبنانية والتوازنات الداخلية بمعزل عن بعض الإختلافات في المواقف الاستراتيجية والإقليمية مع بعض الأطراف، وبالتالي يجب التركيز على حماية الوضع الاقتصادي واستقراره خصوصاً أن العين الخارجية على لبنان والتقارير الدولية المتتالية خير دليل”.

صحيح أن بري وجنبلاط ينتميان إلى محورين مختلفين في الرؤية الاستراتيجية لدور المقاومة في الداخل اللبناني بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، أي 8 و14 آذار، لكنهما يمتلكان من الذكاء والحنكة السياسية ما يؤهلهما للعب أدوار متميزة.

وإذا كان هناك من يرفع شعارات استرجاع الحقوق ويسعى للإستفراد مرة بجنبلاط، وأخرى ببري بعد التحالف مع الحريري، فإن كلاً منهما يعتبر استهداف الآخر استهدافاً له، ويبدو أن زعامة بري وجنبلاط من الطينة التي لا تُكسر في حضورهما على قيد الحياة وهي بحاجة الى معجزة.