كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
اعتبر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خلال عشاء هيئة قضاء زغرتا في “التيار” أنّ “المرحلة لا تحتاج الى شعبوية” وذلك في معرض إشارته إلى أنّ “الأسبوع المقبل يجب أن يكون أسبوع الموازنة”. لكن الرجل، وفي كل خطوة يقوم بها ويقدم عليها، لا يستهدف إلا الشعبوية.
قاعدة أساسية تتحكم بتصرفات باسيل: “صورته” فوق كل اعتبار، وشعبيته التي يعتقد أنه يراكِم عليها ويستثمر فيها، هي الهدف والأساس من كل حراكه. لا يهم إن وقع ضحايا على الطريق، أو اضطر لدخول في مواجهات مكلفة مع غيره من القوى السياسية، أو اتهم بالاستفزازية… المهم هو تكريس زعامته.
هكذا، بات الرجل مهجوساً بصورته. يربط مستقبله السياسي بهذه الصورة. يخشى تشويهها أو تعريضها للخدش. يستحيل عليه الرضوخ لـ”مؤامرة” كسر هيبته، أو أن يؤخذ عليه رهبته من مواجهة شارع يتعامل معه على أنه غير مرغوب فيه. إن فعلها مرة سيفرضها خصومه كل مرة.
لذا أصرّ على عدم تعديل أجندة زياراته لنهاية الأسبوع مهما كلف الأمر. ثمة من يعتقد من جمهوره أنّ مجرد رفض الهزيمة والانكسار، هو انتصار بحدّ ذاته، لم يلن زعيمهم أمام العاصفة، وهنا قوته. ولكن بالنسبة لمعارضيه، يكفي أن يصير الرجل على “اللائحة السوداء”، ليكون قد خسر كل شيء.
عملياً، لم يدخل باسيل الشمال “على حمار”، ولا انتظرته الجماهير الممانِعة للحصار الذي حاول خصومه فرضه عليه. لا بل بلغ العمق الشمالي بمؤازرة أمنية غير مسبوقة أصرّت على مرافقته إلى داخل “معرض رشيد كرامي” وإلى “المدرسة الوطنية الارثوذكسية” في عكار. وهي مشهدية لا تعبّر أبداً عن قوة، وإنما عن ضعف.
يقول العونيون إنّ الأحداث التي شهدها الجبل دفعت باسيل إلى اتخاذ اجراءات أمنية مشددة ووقائية. ولكن فرضية تعرّض باسيل إلى كمين، يفترض أن يدفع بالجمهور العوني إلى ملاقاة زعيمه في محطته الطرابلسية على نحو غير تقليدي. فـ”التيار” تعامل مع هذه الزيارة وفق قاعدة: “نكون أو لا نكون”. ولكن ردّ الفعل كان أقل من عادي.
يوم عاد رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري إلى بيت الوسط على أثر أزمة استقالته، كسب الرجل عطفاً استثنائياً من ناسه وحتى من غير ناسه. استعاد شارعه بعضاً من عصبيته. صحيح أن المقارنة لا تجوز في المطلق، ولكن اصرار العونيين على سيناريو الضحية، كان يفترض أن يولّد حالة تعاطف قوية لا سيما في عكار، خزّان العونيين، اذا ما اعتبرنا أنّ طرابلس ليست في الأساس بيئة حاضنة للخطاب العوني. ولكن بالأمس، بدا العصب “الباسيلي” رخواً جداً.
ومع ذلك، لا يكترث العونيون كثيراً للتفاصيل، ويركّزون على الجوهر: “لقد كسرنا الحصار الذي كان يفرض علينا، ولو رضخنا لإرادة “الرفضيين”، لكانت زيارة الجبل آخر الجولات المناطقية”.
يقولون إنّ المحطة الشمالية حققت هدفها: مجرد مشاركة أكثر من 300 شخص في لقاء طرابلس هو انجاز بحدّ ذاته بعد كل التوتر الذي شهدته المدينة. يتحدّثون عن حملة ممنهجة تهدف إلى محاصرة باسيل وكسره، كان لا بدّ من التصدي لها.
يجزمون أنّ الكلام المختلق في البقاع وأجواء التوتر التي سبقت زيارة الشوف (رسائل تحريض عبر الواتساب وقنابل صوتية) ومن ثم الحملات التي تعرضت لها جولة طرابلس، تشي بما لا يقبل الشك أنّ هناك من يسعى إلى اضعاف “التيار الوطني الحر” وتشويهه.
برأيهم، هذه الجولات المناطقية الآخذة في الاتساع تزعج كثراً، كما أنّ اقدام الحكومة على سلّة تعيينات قد تكون الأضخم منذ سنوات، تدفع هذا البعض إلى محاصرة “التيار” في حركته المناطقية لمحاصرته لاحقاً على طاولة الحكومة، ولذا رفض باسيل مجاراتهم في لعبتهم.
يعتقدون أنّ أهمية زيارة الشمال، هي في الخطوة بحدّ ذاتها، وبالتالي تصبح التفاصيل ثانوية خصوصاً وأنّ الجولة حصلت تحت وطأة الضغط الاعلامي والاستعجال في التحضير، مع العلم أنّ “التيار” لم يسعَ في أي جولة قام بها باسيل إلى استنفار جمهوره وناسه و”رصّهم” على الطرق لاستقبال رئيس الحزب. لم تكن التعبئة الجماهرية هدفاً، ولن يكون الشمال استثناء.