في غمرة التعقيدات وتلبّد الاجواء السياسية، يُنتظر أن تنشط الاتصالات على خط بعبدا ـ عين التينة ـ بيت الوسط ـ كليمنصو، لتطويق ذيول أحداث الجبل، وتهيئة الأرضية امام معاودة الحكومة جلساتها قبل أن تنسحب الأزمة على جلسة مناقشة الموازنة وتطيّرها أيضاً، جرّاء غرق القوى السياسية في بحر الخلافات، وفي مقدّمها الانقسام حيال إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، والتي يصرّ عليها كل من “التيار الوطني الحر” و”الحزب الديمقراطي اللبناني”.
وأبدى احد الوزراء البارزين في حكومة الرئيس سعد الحريري استغرابه للتراجع الحاصل في القضية، فبعدما كانت الجهود تصب في إطار الحل السياسي وبعد جهود اللواء عباس إبراهيم وبعد تجاوب “الاشتراكي”، عاد الفريق الآخر ليرد بالسلبية بالمطالبة بإحالة الملف على المجلس العدلي. وقال الوزير إن “ارسلان يخضع لارادة الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل وقرارهما، ولو عادت اليه لما كان طالب مجدداً بالإحالة”.
باسيل المنكسر
ورأت أوساط وزارية مطلعة أن “بعبدا تدعم الحملة المستمرة ضد “الاشتراكي” التي أبدت تململاً من كيفية إدارة الملف ومن باسيل المنكسر”، واصفة “ما يحصل مع النائب السابق وليد جنبلاط بمثابة حرب إقصاء سياسية، وأن هناك من يعمل على تركيب ملف قضائي للاشتراكي”. كما لم تتوان مصادر أخرى عن وصف ما حصل بأنه “تدمير لعهد ميشال عون”، مضيفة: “بات مكشوفاً أن بصمات السوري واضحة في شن الحرب على “الاشتراكي” لتحجيمه وإخراجه من الحلبة السياسية. السوري حاضر ويغذي الحرب ويريدها اكبر على “الاشتراكي”.
وأكد مصدر “اشتراكي” لـ”نداء الوطن” أن “التحرك مستمر ولن نترك وسيلة للحل السلمي الا وسنستخدمها، لكن في الوقت نفسه ينشطون درزياً للم الشمل من دون استفزاز”، وقال: “إن طرح الإحالة الى المجلس العدلي على التصويت غير وارد لان الرئيس سعد الحريري وغيره من القوى غير مرحبين، لكن اذا طُرح فخيار استقالة وزراء الاشتراكي مطروح بقوة”. وذكّر بأن رئيس الحزب وليد جنبلاط هو أول من ساهم بتسهيل عملية تأليف الحكومة،عندما وافق على الحصول على وزيرين فيها بدلاً من ثلاثة وزراء، وهو حريص على عمل المؤسسات والحكومة واستقرارها، وفي الوقت نفسه يرفض “الاشتراكي” احتكار مؤسسة ما لمصلحة طموح سياسي فردي، لأنه عندها ينتفي دور المؤسسة”.
كما أكدت مصادر جنبلاطية لـ”نداء الوطن” ان “الحزب سلم جميع المطلوبين لديه بناء على طلب الاجهزة الامنية، ولن يتوانى عن القيام بكل ما تطلبه الاجهزة”، مستغربة “كيف أن الحلول تُبنى من طرف واحد”. ويواصل الحزب جولاته على القيادات السياسية والروحية ، فيزور اليوم رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في الصيفي بعدما كان زار معراب وبكركي.
إستياء الحريري
من جهة اخرى، كشفت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” ان “رحلة الحريري خارج البلاد كانت معدّة سلفاً، ولكنه لم يخف استياءه من تصرف باسيل بالدرجة الأولى ورئيس الجمهورية أيضا، إذ كان يعول على انجاز الموازنة والانصراف الى الاهتمام بالشأن الاقتصادي والاجتماعي وما يحصل يعيدنا الى الوراء في كل خطوة”، ويضيف: “نعم الحريري مستاء ولم يؤخذ القرار بالعودة الى جلسة للحكومة الأسبوع المقبل”.
وعلمت “نداء الوطن” أن الحريري متمسك بالخيار التوافقي وأنه لن يدخل في أي تحدٍ، كما أنه لن يذهب الى اي جلسة “مفخخة”، بل سيعمل على تفكيك ألغامها.
وجدد مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري التأكيد لـ”نداء الوطن” أن “استقالة الحريري غير مطروحة، وتحدث عن أوراق عدة يمكن أن يستخدمها الحريري في الوقت المناسب”، رافضاً الكشف عنها، محملاً باسيل مسؤولية التعطيل.
بعبدا – عين التينة
وواصل رئيس مجلس النواب نبيه بري مساعيه للحل. وعلمت “نداء الوطن” أن بري عرض على الرئيس عون امكانية رعاية تسوية سياسية، تبدأ من سحب المطالبة بإحالة احداث الجبل الى المجلس العدلي مقابل معالجة أمنية لما جرى ويعتمد فيها القضاء المدني وأن يطرح بالموازاة معالجة سياسية تحاكي الازمة ككل، بعد رعايته لقاء مصالحة يحضره وزراء “الاشتراكي” و”الديمقراطي” و”التيار الوطني الحر” .
وفيما تترقّب عين التينة رد قصر بعبدا على هذا الاقتراح، أبدت مصادر سياسية مخاوفها من أن لا تُقابل الافكار المطروحة بإيجابية في ظل اصرار عون كما باسيل وارسلان على المجلس العدلي، ما يضع الامور أمام مزيد من التعقيد، لا سيما في ظل شلل الوضع الحكومي والجلسة النيابية لمناقشة الموازنة والتي باتت في مهب المجهول في ظل الاوضاع الراهنة. في المقابل يكشف مصدر وزاري أن “لا لقاء مصالحة بين وزيري “الاشتراكي” و”الديمقراطي” في عين التينة، لان المشكلة ليست في هذه المنطقة، بل إن المشكلة أساساً هي باسيل”.
في هذا الوقت، دعا رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الى مصالحة درزية شاملة “برعاية مشايخنا الكبار لصيانة مجتمعنا وإستعادة حقوقنا”، مُعتبراً أن “كل ما يحصل اليوم يؤدي لخسارتنا المزيد من النفوذ لأننا أصبحنا خارج المعادلة الحقيقية للدولة”.
وفي وقت اكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ان “لا اجتماع للحكومة في الأيام المقبلة، وأنه ليس مقبولاً ان يعطل وزير الخارجية الحكومة من أجل حسابات ضيقة”، قالت مصادر باسيل لـ “نداء الوطن”: ان “تعطيل مجلس الوزراء او عمل الحكومة غير وارد عندنا، بل نقترح الحلول التي تستطيع تحقيق العدالة في الجريمة التي وقعت، (بعد شوي رح تطلع الجريمة حادث فردي او قضاء وقدر). فنحن من جهة نريد ان تأخذ العدالة مجراها اما بالنسبة الى مطلب الاحالة على المجلس العدلي فهذه رغبة باحالة الملف الى المرجعية الارفع في القضاء اللبناني، هذا ليس لجوءا الى محاكم خارجية بل الى ارفع محكمة في لبنان”. ويستعد باسيل ليكون الجنوب محطته المقبلة بعد طرابلس، حيث ستكون الأنظار على موقف بري و”حزب الله”.
واجتهدت اكثر من جهة سياسية لمعرفة حقيقة موقف “حزب الله” مما يحصل، وعُلم ان جنبلاط تواصل مع اكثر من طرف لاستكشاف حقيقة موقف الحزب من احداث قبر شمون. لكن، بعيدأً من كيفية تمظهر اداء الحزب، فإن الثابت انه لا يتخلى عن حلفائه في أي وقت وتحت أي ظرف.