كتب جورج الهاني في صحيفة “نداء الوطن”:
نادراً ما يطلّ وزير الشباب والرياضة محمد فنيش إعلامياً، وهو المعروف بندرة أحاديثه الصحافية وميله الى العمل بصمت وهدوء من أجل الوصول الى رياضة سليمة تكون في خدمة الإتحادات والأندية واللاعبين. “نداء الوطن” حظيت بجلسة طويلة مع الوزير فنيش الذي أجاب بشفافية عن الأسئلة التي حملناها إليه.
سألناه أولاً هل لديه النيّة في تشريع الإحتراف، خصوصاً اننا ما زلنا نمارس الهواية في الألعاب الرياضية كافة، فقال: “سأجيب على هذا السؤال بطبيعته القانونية، لنكن صريحين منذ البداية، إنّ علاقة الأندية مع لاعبيها حالياً لا يمكن تفسيرها بأنها علاقة هواة، وفي هذا السياق نرى العديد من اللاعبين يتقاضون رواتب خيالية من أنديتهم في رياضات عدة، أليس هذا إذاً، دليل احترافٍ ولو مبطّن؟ من هنا أؤكّد أنه مؤشّر إيجابي يمكن البناء عليه في ما بعد”.
أضاف: “من جهتنا كوزارة فإنّ دورنا هو تنظيمي ووضع التشريعات ومراقبة القوانين، كما انّ وزارتنا هي راعية ومسانِدة لكلّ المطالب المحقّة، وإذا كان لدى المعنيين في الاتحادات الرياضية مقترحات في هذا الاتجاه ويريدون منا أن نوفّر لهم الإطار التشريعي، فنحن متجاوبون وحاضرون لذلك في أيّة لعبة جماعية كانت أو فردية”.
ومن هي الجهة المعنية بتطبيق قانون الاحتراف في حال اتُخذ قرارٌ بتشريعه، ردّ فنيش: “هذا القرار يعود بالدرجة الاولى الى الاتحادات والاندية واللاعبين من خلال التعاقدات التي تتمّ في ما بينهم، واذا كانت ثمة حاجة الى التشريع فوزارة الشباب والرياضة حاضرة لدراسة الملفّ، وإذا اقتضت الضرورة بطرحه على مجلس الوزراء فنحن مستعدّون، وهو الذي يتّخذ القرار المناسب”.
ورشة رياضية واسعة
وهل يتوقع ان يكون موضوع الاحتراف بعيد المنال، أجاب: “نحن بصدد إطلاق ورشة رياضية واسعة وطويلة الأمد ستشمل اللجنة الأولمبية اللبنانية والاتحادات والأندية والقيّمين على الوسط الرياضي، إضافة الى أصحاب الخبرات السابقة والاعلاميين الرياضيين، وكنا وضعنا أصلاً استراتجية للنهوض بالرياضة ككلّ، ووجّهنا مراسلات للاتحادات والأندية طلبنا فيها منهم تزويدنا بمقترحاتهم لكي تُبنى عليها خطة واضحة وعملية، وعندها ندرس كلّ الملفات المطروحة ونخرج برؤية موحّدة”. وتابع: “نحن نعلم علم اليقين انّ الرياضة في كل أنحاء العالم تقوم على الرأسمال الخاص، أما مؤسّسات الدولة فتشكّل جزءاً يسيراً من الحوافز المالية، وتنحصر مساهمتها في أغلب الأحيان بسنّ التشريعات والقوانين التي تساهم بتطوير الرياضة وحماية اللاعبين وحفظ حقوقهم”.
وحول الآلية المعتمدة لتوزيع المساعدات على الاتحادات والأندية، قال فنيش: “حدّدنا الشروط والمعايير المطلوبة لتقديم هذه المساعدات، وتتألف من بندَين: الأول لكافة الاتحادات التي خصّصنا لبعضها إضافات كونها الأكثر شعبية ككرة القدم وكرة السلة، والثاني للأندية بحسب درجاتها والنتائج التي تحققها (في حال فوزها بالألقاب الرسمية)، أضف الى ذلك منح حوافز ومكافآت للأبطال وللاعبين واللاعبات المتفوّقين، كما انّ مساعدات الوزارة تشمل أيضاً المنتخبات الوطنية الجماعية والفردية”. وذكّر الوزير فنيش بأن موازنة وزارته هي الأقلّ بين باقي الوزارات على رغم الأهمية الكبرى للرياضة في حياة الشعوب والأوطان، ورغم ذلك سيسعى دائماً من أجل أن تكون المساعدات المالية عادلة وبالتساوي بين مستحقّيها.
وأردف فنيش: “نهدف حالياً الى التنسيق والتعاون مع البلديات المتواجدة في الأراضي اللبنانية كافة بغية تشجيعها وحثّها على بناء المنشآت الرياضية أو ترميمها، إذ لا يمكن ان تكون هناك رياضة نظيفة وفي متناول الجميع من دون تأمين البنى التحية المطلوبة، وهكذا نستطيع أن نُتيح الفرصة أمام كل من يريد ممارسة الرياضة”.
وعن البروتوكولات الرياضية الموقّعة بين لبنان ودول عربية وأجنبية، اعتبر فنيش أنها ليست أكثر من تعاون ودّي حتى الآن، بحيث لم ينتج عنها تطبيقات عمليّة وميدانية، مشيراً في المقابل الى أنّ وزارة الشباب والرياضة ترعى هذه البروتوكولات وتوقّع عليها، “لكن من يجب أن يتابع ويحدّد ما نحتاج إليه من مستلزمات رياضية لوجستية أو غيرها هي الاتحادات نفسها وليس الوزارة، وأعود وأكرّر أنّ البروتوكولات الموقعة هي عبارة عن نوايا طيبة ومؤشرٌ الى علاقات أخوية وودّية بين الدول والاستفادة من الخبرات المتبادلة”.
المراهنات ودور الوزارة
وعمّا اذا كان يحقّ لوزارة الشباب والرياضة التدخل في حال تمّ تقديم شكاوى حول التلاعب بالنتائج أو المراهنات على المباريات، أجاب فنيش: “نحن كوزارة لا نملك صلاحيات إجرائية مباشرة تسمح لنا بالتدخل في عمل الاتحادات، لكن عندما نصل الى مرحلة مخالفة القوانين وأنظمتها بشكل واضح ولا يقبل الشكّ فعندها نتدخّل بالتأكيد، إذاً لا سلطة مباشرة لنا بمعاقبة أيّ فريق أو فرد في حالات التلاعب والمراهنات، وأيّ نادٍ لديه شكٌّ في نتيجة مباراة ما، فالقضاء هو المكان الصالح للبتّ بكل هذه الآفات، أما رمي الشائعات جزافاً من دون إثباتات فيضرّ حتماً بسمعة الرياضة ويشوّه صورتها ومسيرتها”.
تدخل السياسة بالرياضة
وهل مارسَ أيّة تدخلات سياسية بالرياضة من خلال موقعه الوزاري أو لمسَ ذلك يوماً خلال تولّيه مهامه لتغيير واقعٍ معيّن على الأرض، ردّ فنيش: “منذ إستلامي منصبي الوزاري قلتُ أمام الجميع، صحيحٌ أنا وزيرٌ أنتمي الى حزبٍ سياسي ولديّ هويتي السياسية وأتفق وأختلف مع آخرين، لكن عندما أدخل الى وزارتي تبقى السياسة خارجها، فداخل جدران الوزارة هناك حقوق للناس يجب أن ينالوها من دون تفرقة أو تمييز”. وواصل: “يمكنكم ان تسألوا حتى من هو خصمنا في السياسة إذا كان كلامي دقيقاً وصحيحاً أم لا، فقد سمعتُ إشادات ومديحاً من قوى نختلف معها في السياسة لم أسمعه حتى من حلفائنا، وهذا بحدّ ذاته جوابٌ كافٍ على سؤالكم”.
وتابع فنيش: “نحن حزبٌ لديه ثقافته وضوابطه الدينية والشرعية، وأدركُ معنى وأهمّية المسؤولية التي أتولاها باسم الحزب، لكنني أعرف تماماً في الوقت نفسه أنني مسؤول كوزير عن كلّ اللبنانيين وليس عن فئة منهم، وأنا لا يمكنني في أيّة لحظة أن أتدخل لمصلحة طرف حليف لنا لا يملك الحقّ في مواجهة طرف آخر أختلف معه سياسياً ومعه كلّ الحقّ”.
وأضاف: “أما حول ما إذا لمستُ أو شعرتُ بوجود تدخل سياسيّ في الرياضة، فلا ننسى أننا نعيش في لبنان، ولسنا للأسف بمنأى عن التدخلات السياسية في أيّة وزارة أو إدارة عامة بطبيعة الحال، لكن علينا جميعاً كرجال دولة وأحزاب ومجتمع أهلي وعلماء دين ورجال إعلام أن نعمل جدّياً على تعميم ونشر ثقافة احترام القانون ومعرفة حدود الحقوق والواجبات، وكلّ مواطن يملك حقاً يجب أن يحصل عليه من دون أيّ تدخّل سياسي أو منّة من أحد”.
وشدّد فنيش أخيراً على وجوب أن تكون الرياضة عامل جمعٍ للشمل وتوحيد القلوب والأهداف لا عامل تفرقة، داعياً الأندية الى ان تكون ساحة ومساحة للقاء والتواصل والتفاعل بين مختلف الشباب بغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية والطائفية.