اذا كان تباين وجهات النظر ازاء ما يجري في سوريا وتّر الى حد ما العلاقة بين زعيم الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب وليد جنبلاط والدولة الروسية التي لطالما تميزت بالودّ والصداقة، فإن التطورات الاقليمية وبعض المقاربات الروسية المستجدة للواقع السوري من جهة وما يتعرض له جنبلاط من محاولات محاصرته، بإرادة سورية لكسر زعامته الاحادية، كما يتردد، انتقاما من مواقفه “اللاذعة” في حق النظام ورئيسه بشار الاسد من جهة ثانية، قد تكون فعلت فعلها في مجال ترطيب “الجفاف” السياسي بين الجانبين وإعادة ضخ الاوكسيجين في عروق الصداقة المتجذرة تاريخيا بين المختارة والكرملين.
منذ نحو شهر وردا على بعض المعلومات المغلوطة في شأن مراسلة بين جنبلاط ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، افيد انها عبر “عميل روسي داخل الموساد”، اصدرت سفارة روسيا في لبنان بيانا اعتبرت فيه “ان القصد منها تشويه سمعة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط”، ومؤكدة “أن علاقة الجانب الروسي والصداقة مع وليد جنبلاط وعائلته و”الحزب التقدمي الإشتراكي” طيّبة ومتواصلة، ولو يبقى التباين في وجهات النظر عمّا يجري في سوريا”، مشيرا إلى “أنّنا نغتنم هذه المناسبة للتعبير عن فائق تقديرنا واحترامنا”.
البيان الروسي استتبع بمعلومات عن زيارة سيقوم بها جنبلاط الى موسكو حينما تسمح اجندة مواعيد الرئيس فلاديمير بوتين باستقباله، في مؤشر لعودة المياه الى مجاري العلاقات وتاليا الدعم الروسي لـ”الصديق” وقطع الطريق على استهدافه او محاولة تحجيمه.
وتتخذ الخطوة الروسية ابعادها في ضوء الدور الذي يضطلع به جنبلاط في سوريا من زاوية امتلاكه “ريموت كونترول” تحريك دروز السويداء في الاتجاه الذي يناسب رياحه، وقد ابلى حسنا ازاء الروس، في حل اشكالية امتناع شباب جبل العرب عن تأدية الخدمة العسكرية من خلال انضمامهم الى الفرقة التي اسستها وتشرف عليها موسكو، على ان يترجم دفء العلاقات وعودة جنبلاط الى الحضن السياسي الروسي، باختيار خلف لسفيرها في بيروت المفترض ان يعود من اجازته للقيام بجولات وداعية قبل ان يغادر نهاية الصيف من ثلاثة اسماء مرشحة للمنصب تشير مصادر دبلوماسية لـ”المركزية” الى انها ستعكس الحياد الذي تفضل موسكو ان تلتزمه في لبنان.
وتعتبر المصادر ان ما يتعرض له جنبلاط في الآونة الاخيرة لاقى امتعاضا روسيا، ولو انه بقي غير معلن، اذ ان روسيا لن ترضى بكسر زعامة المختارة التي تربطها بها علاقات تاريخية لمصلحة فرض ثنائية تضمه الى حليفي سوريا وايران، النائب طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب، في وقت لا تبدو علاقاتها مع ايران في احسن حال، لا سيما بعد الاجتماع الامني الثلاثي ( اسرائيل- روسيا- الولايات المتحدة الاميركية) في تل ابيب، وما استتبعه من خطوات رد فعل عبر عنها بوضوح استقبال الرئيس بشار الاسد وفدا ايرانيا رفيعا ضم عددا من المسؤولين السياسيين والامنيين، في حين بقي الرد الروسي على الغارة الاسرائيلية الاعنف منذ 2018 على سوريا دون المستوى.
التقارب الروسي – الجنبلاطي تقول المصادر، فاجأ القوى الداخلية المدفوعة خارجيا، التي رسمت مخطط ضرب جنبلاط سياسيا عبر الزيارة- الرسالة للنائب طلال ارسلان الى موسكو منذ مدة، وميدانيا بإيكال التنفيذ الى”اذرعها” في الجبل، بحيث “انقلب السحر على الساحر” وعوض كسر زعيم المختارة خرج من حادثة قبرشمون معززا بفائض قوة سياسي عكسته بوضوح المواقف المحذرة من ضرب مصالحة الجبل لا سيما المسيحية منها، فعاد الى قلب المعادلة السياسية اللبنانية اقوى مما كان.