قراءة مسيحية “على البارد” في احداث قبرشمون
تركت حادثة قبرشمون آثارها الجليّة على التطورات السياسية في الساعات والأيام الماضية، إنما الواضح أيضاً أن الأطراف السياسية ستتخطاها لأن “التسوية أكبر من الجميع” مهما اشتدّ الكباش السياسي، كما يحلو لمسؤولين أن يرددوا في كل مجالسهم الخاصة وحتى عبر الإعلام.
لكن السؤال المطروح اليوم هو هل من انعكاسات لما جرى على مصالحة الجبل؟ وما هو المزاج المسيحي العام السائد حيال ما حصل؟
المرشح إلى الانتخابات النيابية الأخيرة عن المقعد الماروني في عاليه راجي السعد يؤكد لموقع IMLebanon أن “الجبل كان في غنى عمّا حصل في قبرشمون وكفرمتى وغيرها، لأن الجبل بالنسبة إلينا هو جبل المصالحة التي أرساها البطريرك الكبير الراحل مار نصرالله بطرس صفير، هذه المصالحة التي أعادت تكريس التوازن والشراكة الفعلية في الجبل بالتوافق وليس بالتحدي، لأن إرادتنا الدائمة تكمن في ترسيخ المصالحة والتشبث بالعيش المشترك”.
وإذ يؤكد السعد على أنه “من حق كل انسان أو مسؤول أن يزور الجبل أو أي منطقة لبنانية ساعة يشاء ومن دون منّة من أحد”، إلا أنه يلفت إلى “قواعد المسؤولية التي تنصّ على ضرورة تجنّب منطق التحدي والاستفزاز في المناطق المختلطة تحديداً من لبنان حيث تصبح المسؤولية مضاعفة في كل خطوة نخطوها لأننا في لبنان قررنا العيش معاً في وطن الرسالة كما سمّاه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وبالتالي علينا أن نحترم مشاعر بعضنا لا أن نستفز بعضنا، فلبنان وطننا والجبل جبلنا وعلينا أن نتفهّم هواجس بعضنا تماماً كما يحصل حتى داخل العائلة الواحدة”.
ثمة إشكالية في خلفية صورة كل ما يجري تتعلق بـ”صراع الزعامات”، لكن بالنسبة إلى أبناء الجبل فإنهم يفصلون بين منطق الزعامة على الصعيد الوطني ككل وبين الزعامة على صعيد الجبل، فالجبل يمكن أن يصدّر زعامات وطنية ولكن ليس كل زعيم وطني يمكن أن يصلح كزعيم في الجبل!
في هذا الإطار يشير السعد إلى أن “ثمة مشكلة في ما حصل تتعلق بكون الوزير باسيل من خارج الجبل، وهذا ما كان يجب أن يُحتّم عليه حرصاً فائقاً في تعاطيه مع ملفات الجبل الحساسة وتوازناته الدقيقة. فليس من قبيل المصادفة أن مرحلة التوازن الفعلي والذهبي في الجبل تكرّست يوم كان الجبل “جبل كميل وكمال”، لأن الرئيس النمر كميل شمعون كان ابن الجبل ويعرف طبيعته وتوازناته وتركيبته فنجح في إقامة توازن وشراكة حقيقيين في الجبل بغض النظر عن زعامة كميل شمعون التي تخطت حتى حدود لبنان فكان “فتى العروبة الأغر”، وربما الأهم في تلك المرحلة أن التوازن بين “كميل وكمال” قام أيضاً على التنوع داخل كتلتيهما بين المسيحيين والدروز وكان الخطاب وطنياً وليس طائفياً. ولذلك نقول اليوم إن التوازن الفعلي يقيمه أبناء الجبل أنفسهم بغض النظر عن حجم أي زعيم أو مسؤول وطنياً”.
في الخلاصة يرغب أبناء الجبل المسيحيون تحديداً في أن يكون ما حصل في الشحّار الغربي غيمة صيف عابرة، رغم استمرار التشنجات السياسية على خلفية تداعيات ما حصل، لأن القاعدة الأولى والأساسية للحياة المشتركة في الجبل هي المصالحة التاريخية التي لا عودتها عنها نهائياً.