كتب آلان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
إنها بلدة حلتا الوادعة المتحصنة بأحراج السنديان في وسط البترون، ها هي أجراس كنيستها تقرع فرحاً ظهر السبت، والخبر اليقين أن الفاتيكان أعلن ابنها البطريرك الياس الحويّك أب لبنان الكبير مكرماً.
وبمجرد سلوكك الطريق الى حلتا تتذكّر أن المنطقة بأكملها هي منطقة قداسة وطهارة، واللافت ان بطريركين من بطاركة الموارنة كان لهما الفضل في بناء الكيان إنطلقا من البترون، فكرسي البطريركية المارونية أسسه مار يوحنا مارون أول بطريرك ماروني وجعل مقر البطريركية كفرحيّ وسط البترون، والبطريرك الحويك ذهب الى مؤتمر الصلح وأخذ وعداً من الفرنسيين بلبنان الكبير الذي أعلن في 1 أيلول 1920.
ومثلما قرعت الأجراس في بلدته حلتا فرحاً، كذلك قرعت في كل منطقة البترون، من حردين بلدة القديس نعمة الله كساب الحرديني، الى تنورين التي شكّلت ملجأ الموارنة أيام الاضطهاد، الى كفيفان التي تحتضن جثماني القديس نعمة الله الحرديني والطوباوي إسطفان نعمة، وصولاً إلى جربتا التي تحتضن جثمان القديسة رفقا، وطبعاً في كفرحي حيث ذخائر القديس مار مارون ومقرّ أبرشية البترون.
ويحمل هذا الإعلان معاني عدّة، أولها أن أرض لبنان وعلى رغم النكسات السياسية الكبرى ما زالت أرض القديسين، وأن البطريركية المارونية التي أسست فكرة القومية اللبنانية لا تزال تنتج بطاركة قديسين، لكن الأهم أن إعلان الفاتيكان تكريم الحويك جاء قبل عام وأقل من نحو شهرين على الإحتفال بمئوية لبنان الكبير، هذا البلد الذي “تشلّعه” الرياح الإقليمية، وتلعب باستقراره قلّة وعي المسؤولين السياسيين، ويعيش الموارنة فيه خوفاً على المستقبل.
راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله الذي عمل على متابعة ملفّ الحويّك، يؤكّد لـ”نداء الوطن” أن ما حصل هو عطية من الربّ ونفحة رجاء وأمل وسط كل هذه الغيوم السوداء التي تتلبّد في سمائنا وسماء دول المنطقة.
وكان ملفّ الحويك دسماً جداً ويتألف من مئات الصفحات، وتمّ العمل عليه في دوائر الفاتيكان. وفي السياق، يتساءل عدد من المواطنين عن كيفية إعلانه مكرّماً وهل حقق عجائب؟ يجيب المطران خيرالله أن “إعلان التكريم لا يحتاج الى أعجوبة، بل يتوجّب علينا إعداد الملف جيداً ونذكر الفضائل التي عاشها الحويك طوال حياته، وننقلها الى الفاتيكان وعندها يقرّر الفاتيكان مدى أهلية الملف”.
وأمام الجواب الإيجابي الذي أتى من الفاتيكان، يبقى على أبرشية البترون والقيمين على هذا الملف، الصلاة، ورصد أي أعجوبة مهمة، وعندما تثبت الأعجوبة تنقل الى الفاتيكان ليدرسها، وبعدها يُعلن تطويبه، من ثم تقديسه إذا تتالت العجائب.
ويشير خيرالله إلى أن التكريم يعلن من الفاتيكان، وإذا انتقلنا الى التطويب فيحصل ذلك في لبنان، اما التقديس فيتم في الفاتيكان، ويؤكّد “اننا نتابع الملف، فأرضنا هي أرض قديسين، وعبق القداسة يفوح من أرض البترون”.
والجدير ذكره انه في 30 حزيران 2014 تم تقديم ملف الحويك الى مجمع دعاوى القديسين في الفاتيكان، وفي 13 شباط 2015 طلب المجمع إضافة وثائق أخرى لضمها الى الملف، وبعد جمع ما يلزم من وثائق محفوظة في مجمع الكنائس الشرقية في روما وفي أرشيف الكرسي الرسولي، أرسلت الى روما في 28 حزيران 2015. وبين سنتي 2015 و2018 لُخّص الملف في مجلد حاول فيه طالب الدعوى ومساعدته الأم ماري انطوانيت سعادة الرئيسة العامة لراهبات العائلة المقدسة، إثبات بطولة الفضائل من قبل البطريرك الحويك.
عُرض المجلد على اللجنة التاريخية في الفاتيكان وقُبل بالإجماع في 17 نيسان 2018، ثم في 6 حزيران 2019 صوتت اللجنة اللاهوتية في الفاتيكان بالإجماع أيضاً مع الثناء على بطولة عيش الفضائل. بعدها عرض على لجنة الكرادلة في 18 حزيران 2019 وكانت النتيجة إيجابية فرفع القرار الى البابا، ويوم السبت وافق البابا على إعلان الحويك مكرماً.