Site icon IMLebanon

غياب وحدة القرار يهدّد بفرط عقد “الضمان”

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

تعود الأرقام المالية المنشورة على صفحة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، على شبكة الانترنت الى العام 2011. وهي تبين أن إجمالي العجز المتراكم في فرعي ضمان المرض والأمومة والتقديمات العائلية بلغ 818,550 مليون ليرة. موزعة كالتالي: 438 مليون ليرة لصندوق المرض والامومة، و379.7 لصندوق التقديمات العائلية. فيما بلغت الأموال المتراكمة في فرع تعويض نهاية الخدمة حوالى 7893 مليار ليرة لبنانية.

يعود عدم نشر الأرقام الجديدة الى سبب من ثلاثة، إما تقني محض يتعلق بعدم تجديد الموقع، ورفده بالأرقام الجديدة، وهو مستبعد. إما لسببين آخرين أكثر منطقية، هما: عدم إحالة قطوعات الحسابات الى مدقق خارجي، كما هو مفترض، منذ العام 2010. وإما بسبب “تعملق” كلفة الخدمات منذ ذلك الوقت، ووصول العجز في صندوق المرض والامومة لنهاية العام 2017 الى 1919 مليار ليرة. وبحسب عضو مجلس الادارة في “الضمان” الدكتور عادل عليق، “بلغت نسبة الإنفاق على القطاع الصحي في الضمان الإجتماعي 15 في المئة، فيما تتراوح هذه النسبة بين 3 و7 في المئة عالمياً. وهو الامر الذي بدأ يستنزف صندوق نهاية الخدمة ويهدّد استمراريته، حيث بلغت السحوبات منه لصالح المرض والامومة 14.6 في المئة”.

“ورم” في الإنفاق الصحي

من الواضح أن العجز في صندوق المرض والامومة، لا يعود الى تقلص الواردات فقط، إنما الى زيادة هائلة في النفقات. ففاتورة الإنفاق الصحي تفوق الألف مليار ليرة سنوياً، 45 في المئة منها تذهب الى الدواء مباشرة. وتبلغ نسبة الإدخال على نفقة الضمان الإجتماعي الى المستشفيات حوالى 22 في المئة، في حين أن هذا الرقم لا يتجاوز 13 في المئة في تعاونية موظفي الدولة، ويقدّر عالمياً بـ 12 في المئة. وهذا يعود بحسب عليق الى “عدم إعتماد الضمان، المعايير العالمية المتبعة حديثاً في التسعير، والتي تنص على أن الدفع يكون على أساس كلفة العمل ككل، وليس كلفة كل خدمة في العمل كما هو حاصل عندنا. مما يفسح المجال في المستشفيات الى استهلاك، قد يكون غير مبرر للكثير من الحالات، وإبقاء فاتورة المضمون مفتوحة، تضاف عليها بسهولة إجراءات طبية، أو حتى تمديد لايام الإستشفاء”.

مقابل الإرتفاع الهائل في الإنفاق، هناك تقلص كبير في الواردات، إذ تبلغ مستحقات الضمان على الدولة وحدها 2000 مليار ليرة. فيما من الصعب كشف مستحقات الضمان على الجهات الخاصة بسبب ضعف أجهزة الرقابة لديه، وازدياد حالات تهرب المؤسسات من التصريح بعدد ورواتب موظفيها الحقيقي”.

إدارة “دكان”

في ظل هذا الواقع يبدو تعزيز واردات “الضمان” ورفده بالاموال كمن يعبئ الماء في السلة. فعدم اعتماد المعايير الحديثة في الادارة، يدفع الى استمرار الفوضى وضياع كل الاموال المحصلة. فالمشكلة في “الضمان”، “تتخطى التوازن الدفتري بين الايرادات والواردات، وتنحو باتجاه عدم مطابقة ما يجري في الضمان مع المعايير العالمية للجودة والمواصفات. فلا يوجد في الضمان إمتثال لمعايير الأيزو 9001 بأكثر من 20 في المئة، وتغيب الخطط السنوية عن جدول أعماله، ولا يوجد أنشطة إدارة جودة حقيقية. كما أن العمل في “الضمان” لا يراعي معايير الحوكمة الرشيدة لجهة إشراك المدراء والموظفين في التخطيط والتنفيذ.

في الوقت الذي تعدى فيه البحث في أنظمة الضمان العالمية كلفة المضمون، وأصبح العمل يتركز على تأمين أفضل الخدمات، وتطبيق ما يعرفبـ (p for p – pay for performance) أي أن يدفع “الضمان” أكثر للجهات التي تعطي قيمة وخدمة أفضل للمضمون. ما زال “الضمان” في لبنان يعاني من تعدد الرؤوس المعطلة، والتنافس بين مختلف الجهات الحزبية على مجلس إدارة منتهي الصلاحية، وعلى تقسيم الوظائف بين الطوائف، حتى في الفئتين الرابعة والخامسة. وبحسب توصيف عليق فان “النظام المتبع في الضمان، أشبه بنظام الدكان”.

“الضمان الإجتماعي في وضع حرج، وهو على حافة الهاوية”، يقول رفيق سلامة أحد أركان مجلس إدارته. وهو اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى التحديث والتطوير، وليس الى رفده بالاموال فقط. وبحسب عليق فان المطلوب “إبعاد كأس الصراعات الحزبية المرّة عن الضمان، وإجراء تحديد واضح للأدوار والمهام بين أجهزته المتعددة المقسّمة بين مجلس الإدارة، اللجنة الفنية، المديرية العامة ووزارة العمل. فتجزيء السلطات في إدارة الضمان يدفعها الى التنافر، وبالتالي الى تعطيل وحدة القرار”.

ممثلو العمال وأصحاب العمل، مطالبون باجراء ورشة انقاذ جدية وشفافة، لأن وضع الضمان يتراجع بشكل يهدد إستمرار هذا المرفق الحيوي بتقديم الخدمات الصحية، وضياع تعويضات نهاية خدمة آلاف العمال والاجراء قريباً.