كتبت فانيسا الهبر في صحيفة “الجمهورية”:
«أيمتى رح نفرح فيكي؟» سؤال تسمعه كلّ عزباء في لبنان، خصوصاً في موسم الأعراس، سواء من الأهل والأقرباء أو حتى من زملائها في العمل. وأينما وجدت، تطاردها هذه الأسئلة مثل خيالها، فتَشعر كأنّ للزواج مهلة محدّدة، أو بالأحرى تاريخ انتهاء الصلاحية، إن تجاوزته، أصبحت «عانساً»!
على الفتاة أن تتزوّج قبل سنّ الـ40 «وإلّا بتعنّس… ما رح تنستر»، على حدّ قول بعض الأهالي من «الدقّة القديمة». وبالإضافة إلى معاناة المرأة في مجتمعاتنا الذكورية، تتعرّض العزباء لأبشع أنواع التنمّر والإساءات لمجرّد عدم دخولها القفص الذهبي في عمر صغير. وكأنّ تلك المرأة المسكينة تعلم ما يخبّئ لها المستقبل! إذ لا يعرف الزواج أو الحب عمراً… فيُصبح الزواج مسألة ديمقراطية يعبّر الجميع فيها عن رأيه بدلاً من أن تكون حرّية شخصية.
إذا كانت الفتاة تتعرّض في محيطها لمثل هذه المضايقات والضغوطات التي يمارسها الأهل بالدرجة الأولى، أو تسمع العبارات التي تتعدّى على خصوصيتها وحريتها الشخصية وتصل أحياناً إلى حدّ التنمّر، فلا بدّ لها أن تعلم أن القرار في النهاية هو قرارها وحدها، ولا يستطيع أحد أن يفرض عليها فكرة الزواج من دون موافقتها مئة في المئة.
ولا شكّ في أنّ مصطلح «عانس» بحدّ ذاته هو قمّة التنمّر، والفتاة التي لم تتزوّج بعد، سواء بقرار شخصي أو لأسباب أخرى، فهي مجرّد فتاة غير متزوّجة وليست عانساً كما يحلو لبعض المتخلّفين أخلاقياً واجتماعياً أن يصوّروها.
ومَن قال أنه لا يحقّ للفتاة أن تستمتع بعزوبيتها وتمشي منتصبة القامة ومرفوعة الرأس بحريتها وقرارها وتحكّمها بزمام الأمور في حياتها. فهل أصبحت الفتاة التي لا يوجد رجل في حياتها ضعيفة ومتخلّفة وغير قادرة على تحقيق سعادتها بنفسها، وهل تكون الفتاة «ناقصة» إذا لم تكن مقيّدة بعلاقة أو مرتبطة برجل.
أثبتت إحدى الدراسات في لندن أجرتها شركة الأبحاث Mintel أنّ المرأة العزباء هي أكثر سعادة من الرجل الأعزب. وخلصت الدراسة إلى أنه بإمكان المرأة الإعتماد على نفسها، خصوصاً بعد أن أصبحت قادرة على تأمين لقمة عيشها بنفسها. عكس الرجل، (طبعاً لا يمكننا شمل الجميع) الذي يُفضّل أن يعتمد على زوجته في الأعمال المنزلية مثلاً. كذلك، لا تشعر المرأة العزباء بالضغوطات التي تقع فيها المرأة المتزوجة، بالإضافة إلى المسؤوليات العائلية، الإجتماعية والمالية، لأنها تتمتّع براحة البال. صحيح أنه منذ زمن أجدادنا، يعمل الرجل ليكسب مدخولاً شهرياً يعيل به عائلته، لكن في الحقيقة مَن كان يتولّى إدارة المصروف؟ نعم إنها الأم التي تحمل جزءاً لا يُستهان به من المسؤوليات، سواء في تربية الأولاد والإهتمام بالعائلة أو في تنظيم المدخول وصرفه بطريقة ذكية، فالأم هي أساس العائلة.
كذلك، شدّدت الدراسة على أنّ العزباء تشعر بحرية أكبر فيما يتعلّق بعلاقاتها الإجتماعية، إضافة إلى أنها تملك الوقت للقيام بالنشاطات التي لطالما حلمت بها أو لمجرّد الإعتناء بنفسها. وبالتالي، لا داعي للتعامل مع مشكلات الغيرة أو المشكلات الزوجية الأخرى. وكلّ هذه الأمور تصبّ في صالح المرأة العزباء، من ناحية التخفيف من حدّة التوتر وبالتالي لتشعر بسعادة أكبر.
لكن هذا لا يعني أبداً أنّ على الفتاة الاستسلام لفكرة العزوبية والعيش وحيدة لتشعر بالسعادة، إذ قد تجد في مكان ما رجلاً مناسباً يكون شريكاً مثالياً وسنداً رائعاً في الحياة. لكن مهما كانت القرارات والنتائج، أخطر ما يمكن أن تقع فيه الفتاة الخضوع لسطوة الثرثرات الـ»بلا طعمة» والسماح لها بالتأثير عليها وعلى قراراتها.
وفي المرة المقبلة التي يصفكِ بها أحدٌ بالعانس، قولي له: «إنتَ شو خصَّك»؟