كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
تحركت “المياه الدافئة” في كل المسارات: استعادت محركات المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم حرارتها، في موازاة حراك ثنائي بين بعبدا وبيت الوسط يقوده الوزير السابق غطاس خوري، بالتزامن مع إطلاق “التيار الوطني الحر” على لسان وزير الدفاع الياس بوصعب ووزير شؤون المهجرين غسان عطالله إشارات إيجابية تجاه المشاركة في جلسات الحكومة، مقابل ومضات مضيئة أطلقها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط تحت عنوان “الانفتاح” شرط “الحد الادنى من احترام العقول والكف عن المزايدات الهزيلة”.
حتى الآن، لا مؤشرات تدل على أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري في صدد الدعوة إلى عقد جلسة حكومية هذا الأسبوع، ولو أنّ مرصد الاتصالات سجّل زحمة اتصالات ومشاورات على أكثر من مستوى. لكن الاصطفاف العمودي بين داع إلى إحالة ملف أحداث قبرشمون إلى المجلس العدلي، وبين رافض للطرح، لا يزال عائقاً أمام التئام الشمل الحكومي، ولو أنّ رادار المواقف السياسية رصد في الساعات الأخيرة، ليونة ما تشي في امكان التخلي عن هذا المطلب شرط استكمال التحقيقات وتسليم كل المطلوبين.
ولكن مقاربة الإحالة إلى المجلس العدلي من الناحية السياسية، لا تكتمل إلا من زواية الحسابات الرئاسية بعدما أخذت الأزمة أبعاداً جديدة تتخطى المسألة الأمنية، لا سيما بعد حملة الاعتراضات التي تعرضت لها زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى طرابلس.
وفق بعض المطلعين، فإنّ هيبة العهد، ومعه باسيل صارت على المحك، ولهذا ثمة اصرار “شديد اللهجة” من جانب الرئاسة الأولى على ايجاد مخرج لا يكرس “انتصار” وليد جنبلاط الذي فرض أمراً واقعاً من خلال رسم خطوط حمراء سرعان ما قد تتمدد، إن لم يوضع لها حدّ. صحيح أنّ الاشتراكيين هم المتهمون بارتكاب جريمتي قتل، ولكن في “التقريش” السياسي، بدا وليد جنبلاط متقدماً على غيره في النقاط.
ولهذا، بدا التصعيد خياراً أوحد لدى الثلاثي: الرئيس ميشال عون، جبران باسيل وطلال ارسلان، فيما قرر رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب التمايز في مواقفه من خلال ابداء بعض الايجابية والدعوة إلى مصالحة درزية شاملة.
يدرك وهاب أنّ دعم “حزب الله” لحلفائه الدروز مشروط بالحفاظ على الاستقرار الأمني والحكومي، وأنّ انتصار ارسلان لن يجيّر به، ففضّل الحيادية خصوصاً أن القاعدة الدرزية بدت مناهضة لحالة التوتر.
وبعدما بدا الأفق مقفلاً، أكدت المعلومات أنّ المبادرة المستجدة تقوم على أساس الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء واستكمال التحقيقات بعد تسليم المطلوبين ومن ثم ترك الهامش أمام الحكومة لتوصيف حالة “الحادثة” بعد اكتمال صورة التحقيقات، وتقدير الموقف ما اذا كانت تستدعي الإحالة أم لا.
وفي هذا السياق تؤكد مصادر عونية أنّ الأمور تسلك مسار التهدئة لكن بوتيرة بطيئة، مشيرة إلى أنّ المشاورات تتركز في هذه المرحلة على لائحة المطلوبين الذين أثبتت التحقيقات تورطهم في اعتداء يوم الأحد، لافتة إلى أنّ الأولوية هي لتسليم هؤلاء المطلوبين.
ولهذا تعتبر أنّ تأجيل الجلسة الحكومية لا يعود إلى الانقسام العمودي بين مكونات السلطة التنفيذية حول الإحالة إلى المجلس العدلي، ولو أنّ “التيار” أعلن صراحة عن عدم ممانعته في المشاركة في أي جلسة، وإنما بسبب التوتر الذي لا يزال مسيطراً.
ومن هنا، لا بدّ، برأي المصادر من اختتام الشق الأمني المتصل بتسليم المطلوبين، قبيل جلوس الجميع وجهاً لوجه الى طاولة الحكومة. بهذا المعنى تصير الإحالة إلى المجلس العدلي مسألة تفصيلية، كما تقول المصادر العونية، ولو أنّ “التيار” يقف إلى جانب حلفائه في “الحزب الديمقراطي اللبناني”، لكن المهم، بنظر المصادر هو سلامة المسار القضائي في أن تأخذ العدالة مجراها والحؤول دون تمييع التحقيقات وتبيان الفاعلين، من خلال القضاء العدلي أو غير العدلي.
هكذا يفهم أنّ الإحالة إلى المجلس العدلي لم تعد شرطاً مكوّناً للدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، والعودة بالتالي إلى الطرح الذي حمله رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى بعبدا وتبناه الرئيس الحريري ومعهما جنبلاط. وقد أعلن الوزير سليم جريصاتي، أمس، بعد اجتماع “تكتل لبنان القوي” انّ “مسألة المجلس العدلي تعود الى مجلس الوزراء المعني بمرسوم الإحالة توصيفاً للحدث الأمني الدامي والخطير”.
لا بل يذهب “التيار” أبعد من هذه الليونة من خلال اطلاق وزير شؤون المهجرين غسان عطالله نداء صريحاً للقاء رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب تيمور جنبلاط الذي يمثل برأيه الشباب والمستقبل، داعياً إياه للقاء مشترك يصار خلاله إلى البحث في مستقبل الجبل والمشاريع الانمائية التي تهم المنطقة.
ونفى عطالله أن يكون تلقى أي إجابات واضحة من تيمور جنبلاط رداً على ندائه، لكنه يرى في المقابل أنّ إيجابية رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” التي يعبّر عنها في تغريداته، كافية لتبيان المسار الانفتاحي الذي تسكله المختارة، والذي يستدعي ردّ التحية بالمثل.