… كأن «ما كُتِبَ قد كُتِبَ» على صعيد معاودةِ انتظامِ الواقعِ اللبناني تحت سقفِ الضوابط التي كانت تحْكمه قبل الأزمةِ السياسيةِ العاصفةِ التي انفجرتْ مع «أحداثِ عاليه» قبل عشرة أيام ووضعتْ البلادَ أمام مُفْتَرَقٍ كادتْ أن تَنْعَطِفَ«معه نحو منزلقاتٍ بالغة الخطورة.
وللمرة الأولى منذ واقعة» قبرشمون«السياسية – الأمنية في 30 الشهر الماضي، خَفَتَ الصوتُ» العالي«على وَقْعِ ديناميةٍ مُتَسارِعَةٍ يُراد منها»تبريدُ الأرضيةِ«السياسيةِ تمهيداً لحلٍّ يُخْرِجُ لبنان» من الحفرة«التي زُج فيها وهو يَتَلَمَّسُ»طريقَ النجاة«من انهيارٍ مالي – اقتصادي يصبح أكثر» احتمالاً بحال أي مغامرات«في السياسة أو الأمن.
وفي ظلّ تَقاطُعَ مَصالح مختلف القوى الوازنة على تَفادي» انفجارِ«الأزمة في اتجاهاتٍ كارثية سَتَطْبَعُ واقعياً عهد الرئيس ميشال عون وتأكل من رصيدِه، كما ستُصيبُ»حزب الله«المُمْسك بمفاصل اللعبة في لبنان من دون أن توفّر أضرارُها رئيسَ الحكومة سعد الحريري الذي يقبض على الجمر»، تشقّ المَساعي الرامية إلى بلوغ تسويةٍ في شأن حادثة قبرشمون طريقَها بـ«قرارٍ كبير» لم يكن ممكناً أمس الجزم بالمدى الزمني الذي سيحتاجه للوصول إلى مَخْرَج يسمح باستئناف جلسات مجلس الوزراء ومعاودة ترتيب الأولويات الداخلية وفق مقتضيات المخاطر المالية وضرورات تبديد الصورة التي تزداد سلبيةً عن لبنان في الخارج، ولا سيما الدول الشريكة في «مؤتمر سيدر» التي تلقّت بما يشبه «الصدمة» الأداء السياسي في الفترة الأخيرة.
ورغم التفاؤل الحذر حيال الأجواء التي تم رصْدها أمس وتحدثت عن حلحلة في مسار المعالجات وذلك في ضوء تجارب سابقة كان الدرْس«منها طما تقول فول تيصير بالمكيول»، فإن أوساطاً متابعة كانت أكثر ميْلاً لتوقُّع اختراق في الأيام المقبلة يُفِرج عن الحكومة التي لن تعقد جلسة هذا الأسبوع على الأرجح، معتبرة أن «الاتفاق – الإطار» لإنهاء الأزمة يقوم على حياكةٍ مدوْزنة تجعل مطلب النائب طلال إرسلان بإحالة مقتل اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب (في اشتباكٍ مع مؤيدين للزعيم الدرزي وليد جنبلاط أثناء وقْفة اعتراضية على زيارة الوزير جبران باسيل لبلدة كفرمتى) على المجلس العدلي معلَّقاً«كحلّ وسط لـ التمويه» عن استحالة الإقرار بهذا المطلب الذي لا يتوافر له النصابُ العدَدي في مجلس الوزراء ولا النصابُ السياسي.
وبدا من الرسْمِ التشبيهي لهذا المخْرج أنه يرتكز على المضيّ قدماً في التحقيقات مع الموقوفين في هذا الملف وإكمال«بازل» ما حصل في «مسرح العمليات»، وهل كان كما يصرّ إرسلان مدعوماً من «التيار الوطني الحر» (يترأسه باسيل) كميناً مخططاً له ومحاولة اغتيال لوزيرٍ أم حادث وليد ساعته«واشتباك بين طرفين بدأ بإطلاق مرافقي الغريب النار، ليقرّر مجلس الوزراء في ضوء ذلك إذا كان الأمر يستوجب إحالة على» العدلي«أم لا.
ويترافق إعدادُ الأرضيةِ لهذا الخيار مع تكثيفِ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم حرَكَتَه المكوكية الهادفة إلى فكفكة تَمسُّك إرسلان بتوقيف نحو 32 من مناصري» التقدمي«للتحقيق معهم في حادثة قبرشمون مقابل طلب جنبلاط الذي كان سلّم 8 من مؤيديه (أطلق 4 منهم) أن تكون القوى الأمنية والقضاء هو الذي يحدّد مَن يتم طلبه للاستماع إليه، على أن تشمل التوقيفات أيضاً فريق ارسلان. وانطلاقاً من هذا»التمتْرس«ثمة من يتحدّث عن ضمانات يعمل عليها ابراهيم في الاتجاهين وسط إشاراتٍ إلى أن صفة»شاهِد«قد تكون المخْرجَ لاستكمال التوقيفات وتالياً أخْذ المسار الأمني – القضائي مجْراه.
أما المسار السياسي الرامي إلى فكّ أسْر الحكومة، فكان هو الآخَر مدار اتصالات حثيثة بعد عودة الحريري الذي أوفد مستشاره الوزير السابق غطاس خوري إلى القصر الجمهوري حيث التقى الرئيس ميشال عون بعدما كانت» أجواء بعبدا«حملتْ إشاراتٍ إلى حلحلةٍ ما، وسط تأكيد عون خلال استقباله وزير السياحة اواديس» كيدانيان «أن ما تحقق من تطوّرٍ على صعيد الحركة السياحية في الأشهر الستة الأولى من السنة، هو نتيجة الاستقرار الأمني الذي تشهده البلاد ما يزيد حرصنا على الحفاظ على هذا الاستقرار وخلق مناخات هادئة ومشجعة لوفود السياح،»وتنشيط العجلة الاقتصادية«، قبل أن ينقل»كيدانيان عن رئيس الجمهورية أنه«في وقت قريب ان شاء الله نكون تخطّينا» الأزمة«.
وفي سياق متصل، رُصدت إشاراتُ تهدئةٍ من فريق»التيار الحر«، لم يكن ممكناً حسْم اذا كانت تعبّر عن تقدّم حقيقي يُسجّل في المعالجات أم أنه على طريقة»نفض اليدمن تعطيل انعقاد الحكومة تحت عنوان«المجلس العدلي». فوزير المهجرين غسان عطاالله أعلن بعد لقاء الحريري أن«الأمور تتجه نحو الحلحلة والجميع يريدون اعادة تفعيل الحكومة التي تبحث قريباً في خطة المهجرين»، قبل أن يؤكد وزير الدفاع الياس بو صعب«سنحضر أي جلسة يدعو اليها الرئيس الحريري ولم نحضر الجلسة الماضية لأننا رأينا في اجتماعنا التحضيري من زميلنا صالح الغريب أن الجو تفجيري وأبلغْنا ذلك للرئيس الحريري».
وفي موازاة ذلك، كان جنبلاط يغرّد«ان الحزب الاشتراكي ليس من رواد الفضاء كالبعض الذي يريد تعويم نفسه بأي ثمن. ولذلك يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار وهو منفتح على جميع المسارات ومُطْمَئنّ ومرتاحٌ لكنه يطالب بالحد الأدنى من احترام العقول والكفّ عن المزايدات الهزيلة، في مقابل تأكيد ارسلان أنّ»شهداءنا سقطوا في قبرشمون في فتنة وحادث مخطّط، لماذا لا مجلس عدلي؟ لن نقبل بأقلّ من ذلك.
وفي غمرة هذا المشهد الضبابي، جاء الإعلان عن إطلالة خاصة للأمين العام لـ«حزب الله»السيد حسن نصرالله بعد غد على شاشة«المنار» في الذكرى 13 لحرب يوليو 2006، ليطرح أسئلةً حول إذا كانت التسوية للمأزق السياسي الحالي ستسبقها، أم أن المواقف التي سيطلقها سترسم اتجاهاتِ الأزمة ومخارجها.