في وقت لم يكن متوقعاً، اشتعلت أمس حرب إعلامية بين حزبي الكتائب و«القوات اللبنانية» وهما الحزبان الرضيعان من أم واحدة، على خلفية كلام قاله رئيس الكتائب النائب سامي الجميل، اتهم فيه رئيس «القوات» سمير جعجع بالاستسلام للتسوية الرئاسية التي جاءت بالرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، ووجهة نظر الجميل من هذا الموضوع معروفة، وهي ان جعجع أجرى تفاهما مع الرئيس عون بصفته رئيسا للتيار الوطني الحر، وساهم في ايصاله إلى رئاسة الجمهورية، فلم يحصد من هذا التفاهم سوى الخسارة وحرباً ضروساً بينه وبين التيار، يحاول تغطيته بأن الحرب مع صهر العهد الوزير جبران باسيل وليس مع التيار أو العهد.
فما الذي حصل، حتى يشتعل الخلاف بين الحزبين بين الحليفين سابقا ولاحقا، وعلى خلفية معروفة منذ زمن، خاصة في هذا الوقت حيث البلد كلّه على كف عفريت تطورات الأحداث في الجبل، وأزمة سياسية عاصفة سيكون في الجبل، وأزمة سياسية عاصفة ستكون لها بالحتم تداعيات اقتصادية ومالية سيئة؟
لا أحد يعرف، سوى ان الدائرة الإعلامية في «القوات» ساءها كلام الجميل إلى احدى الصحف، اعتبر فيه ان جعجع استسلم، لكنه لم يقل لمن؟
وفي بيان الدائرة الإعلامية للقوات اعتراف صريح بأن السجال مع حزب الكتائب يزيد الأزمة تعقيداً ولا يؤدي إلى نتيجة، وانها لم تكن تتصور ان تضطر للدخول في سجال مع أصدقاء في حزب الكتائب، لكن البيان اعتبر ان الجميل تخطى كل الحدود وتمادى في تشويه الوقائع مما دفع بنا إلى الردّ.
أولا: يقول النائب الجميل إن رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع استسلما وخضعا أما هو فلا، وهذا سبب خلافه معهما. هذا غير صحيح إطلاقا، فالنائب الجميل فور تسلمه رئاسة حزب الكتائب، ناصب «القوات اللبنانية» العداء بسبب او من دون سبب على الرغم من التماهي الحاصل دائما أبدا بين قواعد الحزبين. لقد ناصب النائب سامي الجميل «القوات» العداء لأنه يعتبر أن «القوات اللبنانية» هي من انتزعت منه الزعامة.
وهنا نذكر أنه في حكومة الرئيس تمام سلام، وإبان الفراغ الرئاسي، كان حزب الكتائب ممثلا بـ3 وزراء في الحكومة، وفضلت «القوات اللبنانية» حينئذ البقاء خارج الحكومة، وعلى الرغم من ذلك، كان موقف النائب الجميل من «القوات» هو هو، ولم تفترض «القوات اللبنانية» بأي شكل من الأشكال بأن حزب الكتائب خان القضية بحكم اشتراكه مع «حزب الله» وجماعة 8 آذار في حكومة واحدة!
ثانيا: بالنسبة الى قول النائب سامي الجميل إنه لم يستسلم، نسأل: كيف يترجم ذلك عمليا؟ ما الذي يفعله على ارض الواقع؟ هل أعلن الثورة على السلاح غير الشرعي وبدأ بالخطوات العملية لذلك؟ أم أن بطولاته الوهمية تقتصر على بعض التصريحات من هنا وهناك في الوقت الذي تمتلىء به الصحف يوميا بأخبار عن جهود القوات اللبنانية وخططها ومواقفها، وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات معارك وجها لوجه، على أرض الواقع، في المجلس النيابي والحكومة، فيما يخوض غيرها معارك في العالم الافتراضي أسوة بفتيان هذا الجيل.
وفي الأحوال كافة، قليل جدا من التواضع للنائب سامي الجميل كفيل بأن يمنعه من ان يضرب عرض الحائط كل الحقائق والوقائع المتعلقة بـ«القوات» تاريخا وحاضرا، وكفيل أيضا بمنعه من ان يتوهم البطولات وينسبها لنفسه وهو الذي لا يزال فتيا جدا في الشأن العام.
وأهاب بيان «القوات» بالجميل، ان ينصرف إلى عمله بالشكل الذي يراه مناسباً، ويدع «القوات» وشأنها، خصوصاً وانهما يتشاركان الرؤية السياسية عينها ولهما تقريباً المواقف ذاتها من مختلف الملفات المطروحة، وان يعمل لانتشال الكتائب هذا الحزب التاريخي العريق من الحضيض الذي اوصلته إليه سياساته ومواقفه الانفعالية ذات الخلفية الحاقدة لئلا نقول اكثر».
ردّ الكتائب
وسارع حزب الكتائب إلى الرد على بيان «القوات»، عبر بيان لمجلس الإعلام في الحزب اعتبر فيه الاتهامات التي طاولتها «القوات» بأنها «مجانية» ولم تصب الهدف، ولم تتطرق إلى الموضوع الأساس وهو التسوية الرئاسية السيئة الذكر.
وفي بيان الكتائب: ان «الحزب يتفهم التوتر الذي تعيشه قيادة حزب القوات وصعوبة اقناع قواعدها، بالنتائج التي وصلت اليها القوات اليوم جراء دخولها التسوية الرئاسية، التي يدفع لبنان الثمن في سيادته، والشعب اللبناني برمته يوميا بلقمة عيشه، وما رافق هذه التسوية من وعود وطموحات ومحاصصة، لم يتحقق منها شىء وباتت القوات تتلقى الضربة تلو الضربة، ممن اقامت التسوية معهم واوصلتهم الى مراكز القرار».
وشدد مجلس الاعلام على أن «الكتائب لم تتخط الحدود لانها لا تعرف الحدود اصلا، ولم تقبل يوما ان يضع لها احد حدودا»، مذكرا أن «كتلة الكتائب كانت قد صوتت مرارا لرئيس حزب القوات سمير جعجع في الانتخابات الرئاسية، الى حين قرر الاخير الانسحاب لصالح خصمه، باتفاق ظاهره مصالحة وباطنه محاصصة».
وأوضح أن «المشكلة ليست في المشاركة في الحكومات، بل الدخول في حكومة يفرض فيها حزب الله شروطه في التشكيل والسياسات والمواضيع ويقبل بها المشاركون في الحكومة. اما عن المثل الواحد الذي تسأل عنه الدائرة الاعلامية في حزب القوات اللبنانية عن استسلام حزب القوات، فاليكم لائحة بالامثلة: قرار جعجع انتخاب مرشح حزب الله الذي عطّل البلد سنتين من اجله، هو استسلام. قرار جعجع الموافقة على وضع قانون انتخاب يعطي اكثرية مطلقة لحزب الله وحلفائه، هو استسلام. قرار جعجع القبول بحصة وزارية من اربعة وزراء بعدما كان الاتفاق بالتساوي في الحصة مع التيار، هو استسلام. قرار جعجع القبول بوزارات ثانوية بعد التنازل عن السيادية والأساسية والخدماتية هو استسلام. قرار جعجع بتجنب الرد على مؤتمرات حزب الله كما كانت العادة وإبعاد موضوع سلاح حزب الله عن التداول، هو استسلام. قرار جعجع الموافقة على المطامر البحرية وتبرير الضرائب المجحفة والسكوت عن المادة 49 من الموازنة السابقة».
وأشار البيان الى أن «تقييمنا لانفسنا ينبع من التصاقنا بتاريخنا ومبادئنا ومصلحة شعبنا وطبعا ليس من حجم كتلتنا، فكم من كتل انتفخت بالعدد وهزلت بالدور فاصبحت في حكم «اللي ما بيقدم ولا بيأخر» ونحن متأكدون انكم تدركون هذا الشعور جيدا»، داعيا «الكتائبيين والمناصرين عدم الدخول في سجالات عقيمة والاكتفاء بنشر هذا الرد».