IMLebanon

“وقفة” عون و”وعد” نصرالله… و”حلم” باسيل

كتب آلان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

لم يكن 6 شباط 2006 تاريخاً عابراً في السياسة اللبنانية، بل شكّل بداية الإنقلاب الكبير في المشهدية التي نعيشها اليوم والتي تسيطر على الحياة السياسية بفعل توقيع تفاهم مار مخايل بين “التيار الوطني الحرّ” و”حزب الله”.

مع اقتراب الانتخابات النيابية في ربيع 2005، وبعد زلزال 14 شباط الذي قلب السياسة في لبنان والمنطقة، خرج رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري ليقول بصريح العبارة إن قوى “14 آذار” ستحصد نحو 90 مقعداً نيابياً، وقصد بهذه القوى، “المستقبل”، “الإشتراكي”، “القوات”، “التيار الوطني”، “الكتائب”، “قرنة شهوان” والمستقلين الذين كوّنوا 14 آذار، وغاب عن باله آنذاك أن “التيار الوطني” سيتّجه في اتّجاه معاكس.

وبالفعل، حصدت 14 آذار 72 مقعداً، وتكتل “التغيير والإصلاح” 21، ولو استمرّ حلف 14 آذار لكانوا يملكون 93 مقعداً، أي أغلبية الثلثين، في حين أن دول العالم ساندت هذه القوى وقتها.

لم يخطر في بال أحد ان “التيار الوطني” سيلجأ الى التحالف مع “حزب الله” خصوصاً أن الجنرال ميشال عون كان يشنّ قبل عودته في 7 أيار 2005 الحملات على سلاح الحزب، وهو الذي قال في إحدى مقابلاته على قناة “إم تي في” العام 2002 أن “موقف “حزب الله” متطرف ومتواطئ مع إسرائيل ويجب نزع سلاحه”.

ولم يكتف “التيار” بهذا، بل قال إنه هو من سعى إلى إصدار القرار 1559 الذي ينص في إحدى فقراته على نزع سلاح الميليشيات، وخاض الانتخابات العام 2005 على أساس برنامج الكتاب البرتقالي الذي نصّ في الصفحة 19 منه على ما حرفيته: “بعد الإنسحاب الإسرائيلي تلاشت مشروعية العمل المسلّح لـ”حزب الله”، فخلق أزمة على الصعيدين الوطني والدولي”.

كل هذه المواقف ذهبت أدراج الرياح، إذ إن الجميع ظنّ للوهلة الأولى أن توقيع تفاهم مار مخايل ليس سوى زوبعة في فنجان لأن ما يفرّق “التيار” و”الحزب” أكثر بكثير مما يجمعهما.

وما هي إلا أشهر قليلة بعد التفاهم حتى اندلعت حرب تموز، في 12 تموز، إثر خطف “حزب الله” جنديّين إسرائيليّين. ظن الجميع أن “التيار الوطني” سيتّخذ موقفاً مع الشرعية لكنه فاجأ الجميع بموقفه، إذ قال الجنرال عون في أول تعليق له “إن اسرائيل تحارب بآلاتها الحربية المتطورة، ونحن نقاتل بأجسادنا، وطبعاً الإنسان سينتصر على الآلة لأنه هو من اخترعها”.

ومع اشتداد الحرب وضرب معظم مراكز “حزب الله”، سرت شائعات أن السيد نصرالله يختبئ في الرابية، فما كان من عون إلا أن نفى ذلك.

يعترف “حزب الله” أن “التيار” وقف معه “وقفة رجولية” إبان حرب تموز متحدّياً كل المواقف الدولية، وهذه الوقفة كانت بمثابة “معمودية النار” بينهما، فمتّنت علاقتهما، وتلقّى عون بعدها وعداً من “الحزب” بأنه مرشحه للرئاسة.

وإذا كانت هذه الحرب البداية، فإن البعض يعتبر أن ما فعله عون مع “حزب الله” على الساحة المسيحية يشبه ما فعلته “الجبهة الوطنية” والزعامات السنية إبان الحرب الأهلية، فمثلما استغلت “الجبهة” السلاح الفلسطيني لمحاربة “المارونية السياسية”، استغلّ “التيار” سلاح “الحزب” وبدأ يحقق مكاسب على الساحة المسيحية والوطنية.

وكان أول الغيث حكومة ما بعد 7 أيار، حيث دخل عون بحصّة مسيحية وازنة، من ثم أتت إنتخابات 2009، فحصد عون نواباً بفضل الصوت الشيعي، وتعطّل تشكيل الحكومة بعدها بسبب رفض توزير الراسبين وعلى رأسهم الوزير جبران باسيل، من ثم حظي “التغيير والإصلاح” بعشرة وزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

لكن الأهم من كل هذا ان موقف عون في حرب تموز انعكس على استحقاق رئاسة الجمهورية، وهنا لم يكن تفضيل “حزب الله” على سبيل المثال بين عون والدكتور سمير جعجع، بل إن ترشيح الحريري للوزير السابق سليمان فرنجية كاد أن يطيح بكل آمال عون، وظن الجميع أن “حزب الله” سيمشي بمرشح من “8 آذار” لكن جواب نصرالله كان واضحاً: “لقد أعطينا كلمة لعون”.

وتبدلت الامور فحصل “تفاهم معراب” من ثم حصلت التسوية الكبرى القاضية بانتخاب عون رئيساً وعودة الحريري الى السراي. وقد قالها النائب نواف الموسوي صراحة في جلسة مجلس النواب في شباط الماضي انه “شرف للبنانيين أن يصل الرئيس ميشال عون ببندقية المقاومة إلى رئاسة الجمهورية”.

اما الآن، فان كل سلوك باسيل مبني على استقوائه بسلطة رئيس الجمهورية أولاً، وبورقة التفاهم ثانياً، فمثلما حصل عون على وعد بأنه مرشح “الحزب” الوحيد الى رئاسة الجمهورية، يريد باسيل ان يحصل على وعد مماثل… لم يصله حتى الساعة.