كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
الحاج أمين شري أو نائب “حزب الله” في بيروت جمع بين عضوية مجلس النواب ومجلس بلدية بيروت، من العام 2005 تاريخ دخوله البرلمان اللبناني، إلى العام 2009 يوم خروجه وانكفائه عن الترشح للانتخابات النيابية تفادياً لمواجهة مع حركة أمل ومرشحها آنذاك هاني قبيسي، الذي ضمه سعد الحريري الى لائحته، باتفاق انتخابي موضعي مع الرئيس نبيه بري.
إطلالة أمين شري (1957) الأولى على الشأن العام، كانت في انتخابات بلدية بيروت العام 1998 وتحت جناح الرئيس رفيق الحريري الذي رعى تشكيل لائحة ضمت معظم الاتجاهات البيروتية وفازت بغالبية المقاعد في المجلس البلدي، وكان أمين شري ممثلاً لـ”حزب الله”. والخرق الوحيد للائحة كان من المرشح عبدالحميد فاخوري.
لم يكن قبل ذلك اسم أمين شري يتردد كأحد مسؤولي الحزب، ولم يكن متفرغاً لعمل تنظيمي حزبي، اي أنه لم يتولّ موقعاً تنظيمياً يشغله عن أعماله التجارية التي كانت تتركز في ذلك الحين على صناعة وتجارة الأحذية. الصفة التجارية لم تكن طارئة عليه، هو نشأ في عائلة متحدرة من بلدة خربة سلم في قضاء بنت جبيل التي انتقل أكثر من نصف سكانها في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي الى بيروت لأسباب اقتصادية ومعيشية، وبات معظم عائلاتها من الناخبين في بيروت منذ عقود. ووالد شري انهمك في تجارة الأحذية وصناعتها، وعلى هذا الطريق سار نجله أمين.
دخوله إلى مجلس بلدية بيروت، كان بسبب انتمائه العائلي والاجتماعي الى حاضنة انتخابية شيعية يُعتد بأصواتها، كان هذا سبباً رئيسياً لاختياره من قبل “حزب الله”، وإن لم يكن السبب الحاسم الذي أدى إلى دخوله الندوة النيابية، بديلا عن مرشح ونائب سبقه في تمثيل “الحزب” في بيروت العام 1992 النائب الحاج محمد برجاوي، ابن قرية هونين إحدى القرى السبع الشهيرة داخل فلسطين والتي احتلت العام 1948 وتقع على الحدود مع لبنان، وقد هجر كل ابنائها الذين أقام معظمهم في بيروت، ونالوا الجنسية اللبنانية على دفعات كان آخرها في العام 1994.
لا تاريخ جهادياً
الحاج أمين شري، كما سلف، لم يجر اختياره من قبل “حزب الله” بسبب تاريخ جهادي، لا يتحدث بعض من يعرفه، عن أنه كان ذا سمة عسكرية قتالية، بل الهوية التجارية والاقتصادية، هي السمة الشائعة عنه في البدايات، وقد نشط في بداية الثمانينات مع لجان العمل الإسلامي بحدود جعلته على صلة مع تلك النواة التي رفد جزء منها تأسيس “حزب الله” لاحقاً، كما يؤكد أحد عارفيه والمعاصرون لتلك الحقبة التي سبقت الاجتياح الإسرائيلي العام 1982.
ليست تلك المرحلة التي سبقت عام دخوله إلى مجلس بلدية بيروت هي الأهم في سيرة شري، أو أنها لا تتسم بالغنى لجهة الدور الحزبي أو السياسي، جاذبيته تجارية، وخدمية، أكثر منها أيديولوجية أو سياسية، في مجلس بلدية بيروت الذي احتل مقعداً فيه لدورتين انتخابيتين متتاليتين، بين العامين 1998 و2010، كان الأكثر نفوذاً بين أعضاء المجلس البلدي، لسبب طبيعي يتصل بكونه ممثل “حزب الله”، ولسبب ذاتي يتصل بنشاطه ودأبه على بناء علاقات واسعة في بيروت، لعله من أكثر نواب بيروت المواظب على القيام بواجبات اجتماعية، ولكن الأهم هو مزاوجته بين نفوذ “حزب الله” السياسي والأمني في اختراق العديد من الحواجز التجارية الخدماتية والسياسية، وهذا ربما ما جعله السفير فوق العادة لـ”الحزب” في بيروت، المحيط بتفاصيلها، بعائلاتها، وتجارها ورجال الأعمال فيها، فهو الذي نشأ في زقاق البلاط ومحيطها المنطقة التي كانت بيوتها الموئل الأول لهجرات شيعية من الجنوب الى بيروت، مع ما تحمل هذه الهجرات في نفوس الآباء والأبناء من أحلام وخيبات في سلم الحضور والارتقاء المديني.
إدراج اسم النائب أمين شري على لائحة عقوبات الخزانة الاميركية، علّلته الخزانة بأسباب عدة، ربما يرتبط معظمها بوظيفة حزبية يمكن إدراجها في سياق طبيعة عمل الأحزاب اللبنانية، لكن الخطير هو ما ورد في اتهامه بأنه قام بتهديد مصرفيين وعائلاتهم ومن ضمنهم عاملون في مصرف لبنان، اما علاقاته بأدهم طباجة الذي كان أول من أدرج على لائحة العقوبات الاميركية، فهي شائعة وليست سرية، وثمة مشاريع تجارية وسياحية مشتركة بين الرجلين معروفة، وان كان من غير المؤكد أنها مشاريع يملكها “حزب الله”.
حسابات أدهم طباجة
وربما يوحي تقرير الاتهامات الأميركية من دون أن يؤكد، أن النائب شري، كان يضغط على المصارف في قضايا متصلة بحسابات عائدة لأدهم طباجة، فالأخير الذي أسس شركة الانماء (مدرجة على لائحة العقوبات) مطلع التسعينات، كانت من أكبر شركات المقاولات، التي انشأت مئات الأبنية التجارية في الضاحية، وكانت من أكثر الشركات قدرة على تجاوز الشروط القانونية للبناء، بسبب نفوذ اصحابها وانتمائهم لـ”حزب الله”.
التجارة والمصالح الاقتصادية، وقبل ذلك حاجة “حزب الله” لتثمير نفوذه اقتصادياً ومالياً، هو من جمع بين طباجة وشري، وعزز أواصر العلاقة بينهما، على رغم انكفاء دور طباجة بعد العقوبات، والذي تطلب منه التخفي مالياً ومحاولة الالتفاف على العقوبات بأقل خسائر ممكنة، وهذا بالضرورة سيجعل منه لاحقاً ورقة محروقة في لعبة المال والاقتصاد.
لعل جانباً آخر شكل لشري عنصر قوة ونفوذ داخل “حزب الله” نسبياً، فإلى جانب السمة التجارية والخدمية لشري المفتوحة على بيروت كمركز مالي واقتصادي كبير، هو الجانب الذي جعله قريباً من السلطة الفعلية داخل “حزب الله”، فالحاجة الى دوره على المساحة البيروتية بكل وجوهها، جعلته في فترة سابقة قريباً من الجهاز الأمني، ليس باعتباره رجل أمن، بل لموقعه وديناميته، ولقدرته على توفير الخدمات في العديد من المؤسسات ومن بينها بلدية بيروت، وساهمت ديناميته على هذا الصعيد، في أن يبدو متقدماً على قيادات في “حزب الله”، متقدمة عليه تنظيمياً، لكنها أقل شأناً منه داخل “الحزب” نفسه. في الانتخابات الأخيرة نال شري أعلى عدد من الأصوات في مدينة بيروت، وراجت في أوساط عديدة مقولة أنه نال أصواتاً أكثر من الرئيس سعد الحريري، واستخدمت هذه المقولة في اتجاهين، الأول، للنيل من الحريري وسياساته، والثاني، لتظهير (ولو في تظهير ملتبس) أن بيروت التي يقال إنها مجروحة من “حزب الله”، ها هي تقدم أمين شري نائباً بأعلى عدد من الأصوات التفضيلية.
ابن خربة سلم البيروتي أمين شري بعدما أزاح نائب “حزب الله” السابق محمد برجاوي في انتخابات 2005 ، فرض نفسه كمرشح ثابت في انتخابات بيروت، من دون أي منافس له داخل “الحزب”، فالرجل نجح في أن يكون الى حد كبير المندوب السامي لـ”حزب الله” في بيروت.