رأى رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن “طرابلس تؤكد دائما انها مدينة الاعتدال والوسطية والحكمة، وهي على عكس ما يشاع تمارس القوة الهادئة والاصيلة الامر الذي اكدته عندما تعاملت برقي وسكينة مع الحادثة المؤسفة ومع الفتنة المتجولة ولم تتأثر ابدا بالتطرف والمتطرفين الذين لا يسيئون لها وللبنان بل لانفسهم، وهي ضحت دائما لاجل لبنان وقدمت الشهداء في مقدمهم الرئيس الشهيد رشيد كرامي وهي في الملمات مع الجيش اللبناني ومع الشرعية اللبنانية في مواجهة القوى المتطرفة كفتح الاسلام وهي ايضا ضد الانظمة التي تمارس القمع والقتل”.
وأشار، خلال محاضرة في القاعة الزجاجية الكبرى في غرفة طرابلس والشمال، الى “اننا في لبنان نتأثر بالتطورات في الداخل وفي المنطقة وبما تشهده الدول العربية من تداعيات على لبنان وهذا يتطلب درجة عالية من الحكمة والتبصر بما نواجهه. ففعليا نحن نواجه ازمة كبرى نتجت الى حد بعيد عن الاستعصاء المستشري وعدم المبادرة للقيام باصلاحات كان ينبغي ان نقوم بها في لبنان منذ سنوات طويلة فالاصلاح ليس كلمة نرددها على المنابر لاكتساب شعبية، الاصلاح هو فعل ايمان وليس قضية نحكي عنها وليس ايضا حبة دواء نتناولها، فالاصلاح عملية مستمرة”.
وقال: “كان ينبغي لنا ان نتجاوب من قبل مع دعوات الاصلاح التي مررنا بها على مدى سنوات مرت خاصة على مستوى الاصلاح السياسي ولكن ليس كما جرى فعلا خلال الانتخابات النيابية الاخيرة التي زادت من حدة التشنجات والتعصب والعنصرية في لبنان بدلا من ان تنتج الانتخابات سلاسة في العملية السياسية. كما ان الاصلاح المطلوب ايضا اداري واقتصادي ومن الطبيعي القول اننا وصلنا الى ما وصلنا اليه الان وحيث اننا فعلا قد اضعنا المفترق الذي يؤدي الى النهج الصحيح ونحن اليوم ينبغي لنا ان نعمل بهدوء وحكمة لكي نجد الطريق الفسيح لنعود الى رحابة الطريق الصحيح من خلال العودة الى المبادئ والاساسيات، وأعني هنا بالتحديد العودة الى الالتزام فعلا وليس بالقول بما يتعلق باتفاق الطائف وبالدستور اللبناني وبمرجعية القوانين وليس من المقبول اطلاقا ان نسمع البعض من المسؤولين الذين يقولون اننا نعدل الدستور بالممارسة ونسمع اخرين يقولون انهم لا يرغبون بتطبيق هذا القانون او ذاك، وكأن صاحب هذا الكلام يضع نفسه مكان الشعب اللبناني في اتخاذ القرار”.
وأضاف: “لا بد ان نعود الى اعلاء شأن الدولة التي يفترض بها ان تكون على مسار القانون وأن تكون حيادية في علاقتها مع الجميع، ونعم لا بد من العودة الى المبادئ فلأننا ابتعدنا عنها وصلنا الى ما نحن عليه الان، فلا بد من ان نعيد الاعتبار للدولة اللبنانية وأن نعيد الدولة صاحبة السلطة الوحيدة على الاراضي اللبنانية، وألّا يكون هناك اي سلاح اخر غير سلاح الدولة اللبنانية. كما لا بد لنا ان نعيد الاعتبار الى الشرعية العربية وان لبنان جزء من هذا العالم العربي ويحترم قرارات الاجماع العربي، وان يحترم لبنان الشرعية الدولية وما يخصنا من مراعاة لاتفاق الهدنة والقرار 1701، وان نعيد الاعتبار للقانون والقضاء والكفاءة والجدارة، وليس من المقبول ان تصبح الدولة وليمة تتقاسمها الاحزاب الطائفية وكل ينهش جزءا من هذه الدولة وكل ذلك يؤدي الى المزيد من اطباق الدويلات الطائفية والمذهبية على الدولة اللبنانية”.
وتابع: “اننا وعندما نحقق ذلك انما نقوم باستعادة الثقة فيما وصل مستوى هذه الثقة الى مستوى متدن، كما لا يفوتنا الحديث عن الثقة المهدورة بين اللبنانيين والمجتمع السياسي، فلا يمكن على الاطلاق ان نقول بقدرتنا بكبسة زر ان نستعيد هذه المنظومة، فلا بد ان يلمس المواطن ويلمس المجتمعان العربي والدولي بأننا نريد فعليا ان نحقق الاصلاح فيما الذي يحصل فعلا اننا نقول شيئا ونفعل شيئا اخر. واضافة الى ما اوردت فانه ينبغي علينا كلبنانيين ان نفتش في المكان الصح على الحلول لا ان نفتش في الامكنة الخاطئة، فقد ضيعنا اوقاتا طويلة في المهاترات وفي الخلافات وفي اثارة التوجهات الحزبية الطائفية والمذهبية بعيدا عن التفتيش في المكان الصح عن الحلول، فهناك امكانية فعلا لذلك، وعلى الرغم من كل المشكلات التي نمر بها ومن التشابك بين المشكلات الاقتصادية والمالية والادارية وما يتعلق بتداعيات المشكلات التي تمر بها المنطقة العربية واخرها ما يتعلق بالعقوبات ومنها ما يخص لبنان، بالرغم من كل ذلك فان ارادتنا هي الكفيلة بالمعالجة ولا بد من ان نكون صرحاء وشجعانا في التعامل مع المشكلات، فلا يمكننا ان نحل مشكلاتنا بالانكار لها، بل علينا ان نواجهها بشجاعة ومثابرة، فهناك قرارات علينا ان نتخذها على الصعد كافة وطنيا وسياسيا واقتصاديا وماليا، حتى نضع انفسنا على التوجه الصحيح فيكفي ان يرانا المواطنون اللبنانيون ويرانا المجتمع العربي والدولي باننا جادون ومصممون على ان نضع الامور في الاتجاه الصحيح وخوض غمار الاصلاح، لكي يعودوا جميعا فيمحضون لبنان الثقة ويحذو المجتمع اللبناني حذوهم”.
وتناول السنيورة مسألة العقوبات التي طاولت نوابا لبنانيين، وقال: “يحزنني ان يكون هناك قرارات من قبل دولة ما بحق مواطنين لبنانيين يمثلون الشعب في البرلمان اللبناني، يحزنني ذلك بكل امانة، لكنني اقول ايضا بأنني اعقب بأمرين اثنين الاول انني كنت اتمنى لو ان المعلقين الذين يدلون بدلوهم اليوم من هذه العقوبات التي اعلنت عنها الادارة الاميركية كنت اتمنى من هؤلاء عندما اقيمت الدعوى من الجمهورية العربية السورية ضد الرئيس سعد الحريري مطالبة له بالاعدام، كم كنت اتمنى لو ان هؤلاء اتخذوا موقفا ضد هذه الدعوى وضد اعلان عقوبة الاعدام بحقه، كم رغبت لو عبروا عن استنكارهم ذلك”.
اضاف: “ثم انني في الامر الثاني كم كنت اتمنى ان نلتزم النأي بالنفس عن الانغماس في الخلافات الداخلية والعربية، فعبارة النأي بالنفس امر هام واساسي، الا اننا سمعنا دائما بالدعوة الى النأي بالنفس ونرى خلاف ذلك، ونحن في لبنان سبق ان اتخذنا قرارات للنأي بالنفس عن الخلافات الاقليمية والعربية، وقد حصل ذلك في هيئة الحوار الوطني في العام 2012 واتخذ القرار بما يسمى اعلان بعبدا، وتحييد لبنان عن الخلافات الاقليمية وكيف جرى بعد ذلك وقبل صياح الديك جرى التنكر لهذه القرارات، واليوم ينبغي لنا وامام هذه القرارات والاجراءات التي تتخذها الادارة الاميركية لا بد لنا من الرؤية الصحيحة وتلمس مواقع الاقدام لكي لا نستمر في وضع بلدنا في درب الافيال، عنيت هنا الدول الكبرى التي تنشط كل يوم وتبحث عن ساحات للتقاتل فنحن يجب ان لا نعطي هذه الدول الفرصة لكي تجد لها ساحات في بلدنا لكي تتقاتل على ارضنا”.
ورأى انه “علينا ان نعزز وفاقنا الوطني والذين يحاولون اظهار غيرتهم على لبنان فليمارسوا حقيقة هذه الغيرة بالوفاق الحقيقي والتعاون بين اللبنانيين ونبذ الخلافات وعدم اثارة النعرات الطائفية والمذهبية”.
وقال: “انا اعتقد اننا في هذه المرحلة نبحر في مياه مليئة بالالغام وبالتالي كيف لنا ان نتجنب ذلك بداية بالعودة الى العلاقات الصادقة بين اللبنانيين والعودة الى الاصول واحترام الدستور وانا انادي من هنا فخامة الرئيس الذي كرسه الدستور وحيدا في لبنان بأنه هو الذي يحافظ على الدستور ويحميه، وهو لا يمكن ان يقوم بذلك فيما يمارس من يلتحقون به ويقولون انهم هم من مجموعة يرأسها يمارسون المخالفات الدستورية صباح مساء”.
وختم: “لا بد ان نرجع الى المسارات الصحيحة واستعادة الثقة وان نواجه هذا الكم الكبير من المشكلات التي نواجهها وآن لنا ان نعترف بمشاكلنا وان نبادر الى معالجتها بشكل صحيح لا باختصار المعالجات على المراهم لقد انقضت المرحلة التي يمكن ان نعالج فيها مشكلاتنا بالمراهم او ان نراهن على عامل الوقت ولا على ترف الاختيار فأمامنا فرصة يجب ان نستغلها وان نتقدم نحو المستقبل”.