كتب زياد غصن في “الاخبار”:
“آخر واحد رايح باتجاه سوريا يطفّي الضوء في الأردن”. نكتة كغيرها من النكات التي أضحكت كثيرين من متصفحي وسائل التواصل الاجتماعي تعليقاً على افتتاح معبر نصيب الحدودي، وهي كناية عن أن كل أهل الأردن سيأتون إلى سوريا بعد سنوات إغلاق الحدود. لكن النكتة اللطيفة لم تكن كذلك بالنسبة إلى مسؤولين في مكان آخر، سرعان ما ظهر امتعاضهم عبر ضغوط وإجراءات هدفها ألا «تُشعَل» أضواء المعبر، ولا يعود الحال فيه إلى سابق عهده.
لم يرُق الغرب، وبعض العرب أيضاً، التعاطي الشعبي الإيجابي مع افتتاح معبر نصيب الحدودي. فطوابير سيارات الأردنيين التي ظهرت سريعاً لدخول الأراضي السورية، واصطفاف رجال أعمال البلدين جنباً إلى جنب لحظة إعلان عودة العمل بالمعبر، مثّلا في نظر حكومات عديدة تطوّراً غير مقبول. ومن هنا، لا يستبعد كثيرون أن يكون افتتاح المعبر سبباً أساسياً في تعجيل الإدارة الأميركية تحرّكها نحو تشديد عقوباتها الاقتصادية المفروضة على سوريا.
وعلى الرغم من أن المعبر شكّل منذ إحداثه البوابة البرية لتنقّل المسافرين بين سوريا ولبنان وكثير من الدول العربية، إلا أن وظيفته الاقتصادية كانت طاغية في كل السنوات السابقة لتوقّفه، وتشهد على ذلك حركة الشاحنات المحمّلة بالبضائع، سواء المتجهة يومياً من سوريا إلى الأردن ومصر ودول الخليج، أو تلك التي تدخل في خانة نقل «الترانزيت» من المرافئ السورية أو لبنان أو تركيا، والتي كان يصل عددها يومياً قبل الحرب إلى نحو 800 شاحنة ذهاباً وإياباً، وفي أكثر من اتجاه بحسب صالح كيشور، رئيس «اتحاد شركات شحن البضائع الدولي»، الذي يضيف في حديثه إلى «الأخبار» أن سيارات شحن البضائع، التي كانت تتجه من لبنان باتجاه معبر نصيب، «وصل عددها يومياً قبل الحرب إلى نحو 150 سيارة، ومن تركيا نحو 200 سيارة». وهذا ربما ما يفسّر توازي تشديد واشنطن حصارها البحري على سوريا، مع تصعيد إدارة دونالد ترامب ضغوطها على الفاعليات الاقتصادية الرسمية وغير الرسمية في الأردن من أجل وقف تعاملاتها التجارية مع سوريا، وهي الضغوط التي أثمرت برأي البعض صدور قوائم حظر أردنية خاصة بالسلع الممنوع استيرادها من سوريا، سواء أكانت محاصيل زراعية أم مواد مصنعة.
واللافت في الأمر أن بنود اتفاق البلدين على افتتاح المعبر تصبّ أساساً في خدمة الجانب الأردني، سواء في ما يتعلق بتنقل الأفراد أو بالتبادل التجاري ونقل البضائع، لدرجة جعلت جهات سورية عدة تطالب حكومتها بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل. إذ تكشف البيانات الرسمية المتعلقة بالأيام العشرة الأولى لافتتاح المعبر عن دخول أكثر من 1500 سيارة أردنية إلى الأراضي السورية، تحمل كل منها عند خروجها من سوريا، بحسب تقديرات مذكرة خاصة لـ«المرصد العمالي للدراسات والأبحاث»، «نحو 50 كغ من السلع والبضائع على أقل تقدير»، الأمر الذي يعني أن 80 طناً من هذه المواد خرجت من السوق السورية في عشرة أيام، وهي بمعظمها مواد مدعومة من حيث مستلزمات إنتاجها، كالكهرباء والمحروقات، بالإضافة إلى تكاليف الإنتاج الرخيصة من حيث العمالة والمواد الأولية، في حين أن إيرادات الخزينة العامة في دمشق من الرسوم المفروضة على الأفراد ودخول السيارات من معبر نصيب فقط، لم تتجاوز خلال تلك الفترة 14 مليون ليرة، وهي إيرادات متواضعة مقارنة بحركة مرور الأفراد والبضائع.
أثر الضغوط الأميركية
يظهر أثر الضغوط والعقوبات الأميركية على الحركة التجارية للمعبر من خلال بيانات الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، إذ تفيد البيانات الرسمية بأنّ عدد الشاحنات الداخلة والخارجة عبر معبر نصيب الحدودي بلغ نحو 8500، أي ما معدله وسطياً نحو 47 شاحنة يومياً. كذلك إن تقديرات رئيس «اتحاد شركات شحن البضائع الدولي»، المستندة إلى بيانات مكتب تابع للاتحاد وموجود على المعبر، تشير إلى أن المعدل الوسطي لسيارات الشحن العابرة للمعبر يصل حالياً إلى 20 شاحنة معظمها لبنانية وأردنية، فيما تراوح أعداد الشاحنات السورية ما بين 5 و7 فقط، وذلك نتيجة للقيود المفروضة على دخولها إلى الأراضي الأردنية. ومقارنةً بالسنوات السابقة لتوقف العمل بالمعبر بعد سيطرة المجموعات المسلحة عليه، تبدو هذه البيانات متواضعة جداً في ضوء الآمال التي كانت معقودة على استعادة نشاطه الاقتصادي. فمثلاً، تؤكد بيانات عام 2014، أي في ذروة الحرب السورية، أن عدد الشاحنات المغادرة لمعبر الجديدة (على الحدود مع لبنان) باتجاه معبر نصيب بلغ في ذلك العام نحو 18.7 ألفاً، أي ما معدله يومياً نحو 51 شاحنة قادمة من لبنان، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015، أي قبل أيام قليلة من توقف العمل في المعبر، وصل عدد تلك الشاحنات إلى نحو 3066، أي ما معدله يومياً نحو 35 شاحنة.
الضرر يعمّ الجميع
لكن المتضرر من إغلاق المعبر، خلال الفترة الممتدة من نيسان 2015 إلى تشرين الأول 2018، لم يكن الاقتصاد السوري فقط، بل معظم اقتصادات المنطقة، التي اضطرت إلى دفع تكاليف إضافية لنقل بضائعها وسلعها. فالشاحنة التي كانت تبلغ أجرتها قبل الحرب مع رسوم الترانزيت نحو ألفي دولار، اضطرت بعد إغلاق المعبر ولجوئها إلى طرق ومعابر بديلة كاستخدام قناة السويس أو ميناء حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى دفع ما يزيد على ثمانية آلاف دولار، وهي تكلفة أرهقت، برأي رئيس «اتحاد شركات شحن البضائع الدولي»، أسواق الأردن ومصر ودول الخليج وغيرها. ولهذا، ترى وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، أن سوريا حالياً «بالتأكيد متضررة، لكن الموضوع يجب أن يعالَج ضمن إطار جغرافي واحد بالنسبة إلى عبور الترانزيت كافة من سوريا وإليها ومن خلالها، وليس معالجة الأمر من خلال معبر نصيب فقط». بكلام آخر، يجب تحويل النظرة إلى المشكلة من كونها ورقة ضغط على سوريا، إلى كونها مشكلة إقليمية تشكل عائقاً لحركة الترانزيت أمام دول المنطقة.