كتبت مريانا معضاد في جريدة “الجمهورية”:
نشأت الجراحة التجميلية من الجراحة الترميمية. فبدايةً، لم يكن هدفها تجميلياً، بل ترميمياً. ولطالما أنقذت الجراحة ضحايا الحروب والحوادث والتشوّهات وعزّزت نوعية حياتهم… ولكن مع ازدياد هوس الناس والمبالغة بالعمليات التجميلية، أصبحت صورة هذه المهنة الراقية تأخذ منحاً سلبياً، حتى إنَّ البعض يراها مهنة موجّهة لمَن ينقصهم الرضى والثقة بالنفس. ولكن في الواقع، تساعد الجراحة التجميلية أعداداً هائلة من الناس على تحسين نوعية حياتهم، من خلال تصحيح شائبة تؤثر سلباً على مظهرهم الخارجي. فالجراحة التجميلية بمثابة دفعة إلى الأمام للشباب، ودفعة إلى الوراء للمتقدّمين في السن. ولكن عندما يصبح المظهر الخارجي هوساً، قد تكون التداعيات خطيرة.
يمكن أن تؤثر الجراحة التجميلية إيجاباً في حياة الفرد، طالما يلزم المريض حدود المنطق، ويبدّي الطبيب ضميره ومريضه على جيبه… ولكن للأسف، نسبة الناس المهووسين بمظهرهم اليوم، من النساء والرجال، في تزايد.
إضطراب التشوّه الجسدي
ففي حديث خاص مع «الجمهورية»، فسّر الدكتور جو برود، إختصاصي في الجراحة التجميلية والترميمية، وجرّاح في مستشفى «خوري» وفي مركز الحازمية الطبي العالمي للتجميل HIMC، وحائز على تدريب في جراحة الوجه التجميلية والترميمية ونحت الجسم في البرازيل، اضطراب التشوّه الجسدي أوbody dismorphic disorder كالتالي: «يرى المريض نفسه على غير حقيقته، ولا يرضى عن شكله ولو أجرى شتى العمليات التجميلية. في الواقع، حوالى 1.5 إلى 2% من الناس مصابين بهذا الاضطراب. ويجدر الذكر أنَّ حوالى 60% منهم نساء و40% رجال، إذاً ما من فرق شاسع بين النوعين الاجتماعيّين. ولكن يكمن الاختلاف في طريقة التعبير عن هذا الاضطراب، إذ تلجأ معظم النساء إلى العمليات التجميلية، فيما يتّجه الرجال غالباً إلى النوادي الرياضية والبروتينات بشكل هوسي. ومن بين الأشخاص الذين يتوجّهون إلى جراح التجميل، 7 إلى 10% مصابون باضطراب التشوّه الجسدي».
هل تشفي الجراحة التجميلية؟
لم تستنتج الدراسات النفسية بعد إن كانت العمليات التجميلية تساعد المصابين باضطراب التشوه الجسدي على تخطي المرض النفسي. فيشير بعضها إلى تفاقم الوضع لدى إجراء العمليات التجميلية، فيما تُظهر دراسات أخرى تحسّنات في الحالة النفسية لدى المريض عند إجراء عملية تجميلية. ويشير برود إلى أنَّ «ضحايا اضطراب التشوه الجسدي هم الأكثر عرضة للوقوع بين أيادي جراحي التجميل المهتمين بالمال أكثر من صحة المريض الجسدية والنفسية. فمن واجبات جرّاح التجميل أن يعرف عن هذا المرض ويلاحظ وجوده في المريض. إذ قبل التخصص بجراحة التجميل، يدرس الجراح الطب العام لسبع سنوات، ضمنها مواد وتدريبات في علم النفس تشمل هذه الاضطرابات النفسية».
بين المال والأخلاق
شدَّدَ برود: «ليست العمليات التجميلية هي العدو. فالصورة الخاطئة والسلبية عن العمليات التجميلية المكوّنة لدى الكثير من الناس ناتجة عن نسبة صغيرة من المرضى المهووسين بها، وعن نسبة صغيرة من أطباء التجميل البعيدين كل البعد عن أخلاقيات المهنة والعمل بضمير. نتجت هذه الصورة الخاطئة عن عمليات تجميل خالية من المهنية والرقي والدقة.
من هنا تأتي ضرورة وعي جرّاحي التجميل حول علم النفس، والقدرة على التفريق بين الشخص المريض المهووس ذات نظرة خاطئة عن مظهره، والشخص الطبيعي ذات توقعات واقعية لمظهره الشخصي. علاوة على ذلك، على طبيب التجميل توجيه مَن يلاحظ فيه عوارض الاضطراب إلى طبيب نفسي. ولا يساعد هذا الوعي المريض فحسب، بل الجراح أيضاً، إذ يتفادى بهذه الطريقة إجراء عمليات تجميلية لأشخاص يعانون من أمراض نفسية، على الأرجح لن يرضوا بنتيجتها».
وأضاف: «من واجب الجراح في هذه الحالة رفض إجراء العملية، وشرح الأسباب بطريقة لائقة وأخلاقية للمريض. فقد يتّجه المريض إلى طبيب آخر سيرضى بإجراء العملية إن لم يقتنع بالأسباب».
بديل الجراحة
يمكن استبدال بعض عمليات إزالة الدهون بحمية غذائية صحية وأسلوب حياة نشط وتمارين رياضية مكثفة. ولكن في بعض الحالات، لا يصل الفرد إلى نتيجة حتى بعد بذل كل الجهود. هنا يأتي دور العمليات التجميلية التي تساعد الفرد على تحقيق هدفه.
أما في الجراحات الأخرى، فما من حلّ بديل للعملية التجميلية. على سبيل المثال، لا حلّ لترهّل الجلد إلّا الجراحة. وفي هذا السياق، نبّه برود أنه «في حال عدم المحافظة على نتائج الجراحة من خلال التمارين الرياضية والحمية الغذائية الصحية، لا تبقى النتائج كما هي».