كتبت بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الاوسط”:
تركت حادثة الجبل الأخيرة أكثر من علامة استفهام حول موقف «تيار المردة»، ورئيسه سليمان فرنجية، خصوصاً في غياب أي موقف رسمي داعم لحليفه في «قوى 8 آذار»، رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني»، النائب طلال أرسلان، الذي قد يأخذ فرنجية عليه قربه من رئيس تكتل «لبنان القوي» وزير الخارجية جبران باسيل، وكونه ووزير شؤون النازحين صالح الغريب جزءاً من هذا التكتل.
ولم يُصدر «تيار المردة» أي موقف واضح يدعم مطلب أرسلان إحالة الحادثة على المجلس العدلي، بخلاف باسيل و«حزب الله» اللذين يدعمان موقف «الديمقراطي اللبناني»، بخلاف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي ربط الإحالة إلى المجلس العدلي بنتائج التحقيقات.
وزار وفدان من «الديمقراطي اللبناني» و«الاشتراكي»، مقر إقامة فرنجية في بنشعي، الأيام الماضية، في إطار جولتهم على القوى اللبنانية، إلا أن أياً منهما لم يحمل أي جواب حاسم من فرنجية بخصوص قراره في حال كان هناك اتجاه للتصويت داخل مجلس الوزراء على الإحالة إلى المجلس العدلي. وسيكون دعم فرنجية حاسماً، في ظل تقارب عدد الذين سيصوتون مع أو ضد في مجلس الوزراء.
وقالت مصادر من «قوى 8 آذار»، لـ«الشرق الأوسط»، إن أحداً لم يسأل فرنجية عما سيكون عليه قراره في هذا المجال من منطلق «أن ليس لدينا شك أنه سينسجم مع موقف وقرار باقي مكونات فريق (8 آذار)»، وأضافت المصادر: «بالنهاية نحن في حلف استراتيجي، وفرنجية لن يتركه للانضمام إلى الحلف الآخر ليقف في صف وليد جنبلاط».
ويبدو واضحاً أن موقف فرنجية ينسجم مع موقفي الرئيسين بري والحريري، اللذين لا يحبذان إقحام مجلس الوزراء في الصراع الحاصل، وترك الأمر يأخذ مجراه القضائي من دون أن يؤثر على عمل الحكومة.
وتمكن رئيس «المردة»، في الأشهر الماضية، من مد شبكة تواصل مع معظم الفرقاء السياسيين، بعدما كان على خلاف وعداوة مع الكثير منهم، فأتم مصالحة تاريخية مع رئيس «حزب القوات»، سمير جعجع، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ووطد علاقته بـ«حزب الكتائب»، وتربطه علاقة ممتازة بـ«حزب الله» وببري ورئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. أما علاقته بالوزير باسيل فمقطوعة منذ عام 2015 على أثر الانتخابات الرئاسية، وتشهد كل فترة تدهوراً، باعتبار أن الرجلين يتنافسان على موقع رئاسة الجمهورية لخلافة الرئيس عون.
ويستغرب القيادي في «المردة»، النائب السابق كريم الراسي، حديث البعض عن تموضع سياسي جديد لفرنجية، مشدداً على أنه كان ولا يزال في صلب «قوى 8 آذار»، وصاحب قرار في هذا الفريق، نافياً أن يكون قد تحول إلى «بيضة قبان»، كما كان وليد جنبلاط في مرحلة من المراحل. ويشير الراسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «لفرنجية موقفاً واضحاً من حادثة الجبل يعبّر عنه شخصياً، لكن التوجه العام هو لرفض (الطريقة الصبيانية) في التعاطي مع المسألة من قبل فريقين يحاولان أن يلغي كل منهما الآخر، في إشارة إلى رئيس (التقدمي الاشتراكي)، وإلى من يقف خلف النائب أرسلان، أي الوزير باسيل».
ولا ينفي الراسي وجود صراع سياسي على الرئاسة المقبلة، وعملية شد حبال مستعرة، لافتاً إلى أن هناك من هو مستعد لأن يضحي بكل شيء كي يصل، بالمقابل هناك من يتمسك بالثوابت والمبادئ. وقال: «أول من ذهب إلى (القوات) لشراء مناصب، وكي يُنتخب رئيساً للجمهورية لم يكن الوزير فرنجية، الذي أتم المصالحة مع جعجع تحت قبة بكركي تحقيقاً لمصلحة المسيحيين، وطي صفحة أليمة، وذلك لم يحصل لا على أبواب انتخابات رئاسية أو نيابية»، لافتاً إلى أنه لا تنسيق حالياً مع «القوات»، باعتبار أن نظرتهم الاستراتيجية تختلف تماماً عن استراتيجيتنا، ولكن ذلك لا يمنع أننا نتلاقى على طريقة معالجة بعض الملفات الداخلية، تماماً كما يحصل مع «التقدمي الاشتراكي».