قبل حوالى السنتين كتبت مقالة بعنوان “فليحكم حزب الله!“، ما أثار حفيظة الكثيرين من القراء. لكن بعد سنتين يتّضح أن ما كتبته كان دقيقاً، ويا ليت من قرأ تمعّن وأخذ بالنصيحة!
فلنحاول أن نقرأ الصورة السياسية في لبنان اليوم: “حزب الله” بات الحاكم الفعلي في كل المفاصل الأساسية والقرارات الكبرى، انطلاقاً من توازنات القوى في الداخل أولاً بحيث تضعضعت جبهة 14 آذار التي كانت في مواجهة الحزب ورضخ الجميع لهذا الواقع سواء علناً أم ضمناً، وانطلاقاً من اقتناع الأكثرية الساحقة من الأطراف السياسية بأن إيران انتصرت في الإقليم وبأن الولايات المتحدة لا ترغب بشن حرب عليها، لا بل إن واشنطن تفعل مصالحها ولا تأبه بمصالح الدول العربية والخليجية، وبالتالي فإن أي ممانعة داخلية لسطوة “حزب الله” لم تعد تنفع!
هذه القراءة تجريها القوى السياسية على اختلافها في صالوناتها المغلقة، ما يؤكد أن الجميع اقتنعواعملياً بعدم جدوى المواجهة مع الحزب. ولكن السؤال الذي يشغل بالي هو لماذا قبلت الأطراف، التي ترفض “حزب الله” ومشروعه في العمق بأن تلعب دور “الكومبارس” في سلطة يديرها ويتحكم بها الحزب؟ لماذا قبلت بأن تؤمن غطاء لسلطة أمر واقع يمثلها الحزب باتت تتحكم في كل مفاصل الدولة وقراراتها من أعلى الهرم إلى أسفله؟!
كان يمكن أن نقبل بأن يتم تبرير الشراكة مع “حزب الله” في الحكم لو أنها أنتجت أي شيء، أي إنجاز! كان يمكن أن نقبل بها ونغض النظر عنها لو أنها تمكنت من تحقيق إنجاز اقتصادي أو اجتماعي واحد، أو لو أنها تمكنت من إنقاذ البلد من الانهيار الحتمي الذي نتجه إليه أو بتنا في قلبه! أما المصيبة الأكبر فهي أن هذه الشراكة المزعومة لم تكن في أي لحظة شراكة فعلية بل كانت وبقيت مجرّد غطاء لسيطرة الحزب وجرّ لبنان للانضواء بالكامل في المحور الإيراني من دون أي مقابل غير بعض فتات السلطة المفلسة!
عندما طالبت بأن “يحكم حزب الله” كنت أرغب في أن يتحمل الحزب لوحده مسؤولية انهيار الدولة والاقتصاد والأوضاع المالية. كنت أرغب في أن يعرف اللبنانيون أن تحول لبنان إلى هانوي في المحور الإيراني لن يجرّ سوى الويلات، وأن عليهم بالتالي أن يحسنوا الاختيار. سقطت النصيحة بسبب الجشع إلى السلطة، أي سلطة ولو كانت مفلسة، فالمهم بالنسبة إلى البعض الكرسي ليس أكثر، تحت شعار ربط النزاع مع “حزب الله” وغيره من الشعارات الفارغة!
اليوم “حزب الله” يحكم البلد فعلياً، لا بل أصبح أيضاً الحكم بين الأطراف الداخلية المتنازعة، والكل يسعى إلى “استرضاء” الحزب، سواء في المعركة الرئاسية المفتوحة أو في كل تفاصيل المعارك السياسية الداخلية!
“حزب الله” يحكم البلد في حين أن الحكومة التي يرأسها الرئيس سعد الحريري ستتحمل وحدها مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي المقبل وليس “حزب الله”!
“حزب الله” يحكم البلد في حين أن المسيحيين يتحملون وزر صراعاتهم الداخلية التي أنهكتهم، و”حزب الله” يلعب دور الحكم فيما بينهم وبرضاهم سواء اقتناعاً منهم أو رغماً عنهم!
“حزب الله” يحكم البلد وبات ينسج التوازنات داخل الطوائف، تماماً كما يفعل في الجبل وداخل الطائفة الدرزية، وحادثة قبرشمون تشكل نموذجاً صارخاً عن بصمات الحزب في التلاعب الداخلي!
الصرخة المدوية اليوم للجميع: لماذا تقبلون بتغطية واقع سيطرة “حزب الله”؟ لماذا تقبلون بأن تكونوا أدوات في خدمة الحزب ومشروعه الإقليمية من حيث تدرون أو لا تدرون؟! لماذا لا تتركون الحزب يحكم وحيداً، فإما ينجح ولن ينال عندها أكثر مما هو حاصل عليه، أو يفشل فيحصد نقمة اللبنانيين عليه ويعود إلى حجمه الطبيعي؟!
فكّروا فيها جيداً… واتركوا “حزب الله” يحكم وحيداً ويفشل وحيداً!