بدا الواقعُ المأزومُ في لبنان وكأنه أسير «اللعبَ» الذي يتمّ على طريقة «الروليت الروسية»، في ظلّ تَقاطُع المَخاطر وتَشابُكها وإدارتها بما يشبه «إدارة الظهر» لها أو مقاربتها بـ«دعسات ناقصة».
فمِن تَعاظُم المأزق المالي – الاقتصادي ومؤشراته المُقْلِقَة، مروراً بالمنحى الجديد للعقوبات الأميركية على «حزب الله» بتوسيع رقعتها لتشمل رئيس كتلة نوابه وأحد أعضائه، وصولاً إلى تَصاعُد التوتر على خط المواجهة الأميركية – الإيرانية في المنطقة، يقارب لبنان هذا «الجبَل» من التحديات باستسلامٍ لصراعاته الداخلية «المُتَناسِلة» التي تُعَلِّق الحكومة منذ أسبوعين وتهدّد بإقرار موازنةٍ 2019 «بتراء» وتُغامِر بموسم السياحة الواعِد، فيما تبدو محاولات إيجاد المَخارج التسْوية رهينةَ لعبة «تصفية الحسابات» السياسية أو «حسابات الربح والخسارة».
وبينما كان اللاعبون المحلّيون يبحثون عن جنس المحكمة التي يفترض أن تتولى ملف أحداث عاليه في 30 حزيران التي وقعت الحكومة في شِباكها ويفتّشون عن صيغةٍ لإقرار موازنةٍ من خلف ظهر قطوعات الحساب التي يحتاج إنجازها إلى جلسة لمجلس الوزراء، أطلّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عبر قناة «المنار» كـ«لاعِب استراتيجي» وناطِق باسم «المحور الإيراني» ومُمْسِكٍ بخيوط اللعبة في لبنان بأبعادها الداخلية والإقليمية.
واستوقف دوائر سياسية في هذا الإطار أنه فيما تحاول مختلف الأطراف في لبنان تدعيم الموازنة التي ستُقَرّ بعد جلسات مناقشتها الثلثاء والأربعاء والخميس بإجراءاتٍ توصِل إلى هدف خفْض العجز ومحاكاة توقعات المجتمع الدولي بما يسرّع في إطلاق المسار التنفيذي لمؤتمر «سيدر»، لم يتوانَ نصرالله مجدداً عن التهديد بان «كلّ دولة ستكون شريكة في الحرب على إيران، أو تُقدّم أرضها للاعتداء على إيران، ستدفع الثمن»، مع التلويح لإسرائيل بأنها «لن تكون محيَّدة في أي حربٍ تقع في المنطقة، فإيران قادرة على قصفها بشراسة وقوة»، قبل أن يطرح في إطار أي حربٍ إسرائيلية على لبنان معادلة «العصر الحجري (هدّدت تل ابيب مراراً بإعادة لبنان إليه) بالعصر الحجري» مستعيناً بخريطة «للشريط الساحلي حيث قلب الكيان، والجزء الأكبر من المستوطنين موجودون فيه، وكل مراكز الدولة الأساسية ومنشآتها الحيوية» ملوّحاً بأنها في «مرمى نيران صواريخنا».
كما توقّفتْ هذه الدوائر عند اكتفاء نصرالله في أوّل كلام له بعد العقوبات الأميركية على رئيس كتلة نواب حزبه محمد رعد والنائب أمين شري ومسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا باعتبار هذا التطور «جزءاً من المعركة»، رامياً كرة التعامل معه في ملعب «الدولة اللبناني التي أهينت بفرض عقوبات على نائبيْن، فلتُدافع عن نفسها».
ورغم «الموقف العابِر» لنصرالله من موضوع العقوبات، فإن هذا الأمر لم يخفّف من وطأة ما شكّله هذا المنحى الجديد للإجراءات الأميركية التي لم يسبق أن استهدفت «الذراع السياسية» للحزب أي ممثّليه في المؤسسات اللبنانية.
وفي رأي أوساطٍ مطلعة، أن لبنان دَخَلَ دائرة المعاينة الأميركية لسلوكه حيال الدفعة الجديدة من العقوبات التي أُرْفِقَتْ بطلب «قطْع الحكومة العلاقة مع المستهدَفين»، وسط انطباعٍ بأن واشنطن قرّرت الانتقال من مرحلة مداراة الواقع اللبناني تحت عنوان «الاستقرار خط أحمر» إلى «اللعب على حافة الهاوية» معه عبر الضغط أكثر على السلطة السياسية للابتعاد عن «حزب الله» وإبعاده عن المؤسسات الرسمية والخيارات الوطنية، في ظل تقديراتٍ لا تستبعد أن تطول العقوبات وزراء وحلفاء للحزب ورجال أعمال.
وإذا كان لبنان الرسمي اختار «المنطقة الرمادية» في التعاطي مع الخطوة الأميركية على قاعدة عدم إغضاب «حزب الله» وتجنُّب «العين الحمراء» الأميركية، فإن الأنظار تتجه اليوم الى ما سيقوله رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل الذي يضرب موعداً مع جولة في الجنوب وذلك قبل زيارته لواشنطن للمشاركة في المؤتمر السنوي للحريات الدينية الذي ينعقد في 16 و17 يوليو الجاري، وسط رصْدٍ لِما إذا كان سيعقد لقاءً مع رئيس الديبلوماسية الأميركية مايك بومبيو. علماً أن باسيل «نأى بنفسه» عن أي موقفٍ من العقوبات النوعية الأخيرة.
وعشية محطة رئيس «التيار الحر» في الجنوب، تساءلت أوساطٌ سياسية ما إذا كان النجاح المرتقب لهذه الزيارة بعد التحضير لها مع الثنائي الشيعي (حركة «أمل» و«حزب الله») سيشكّل «تعويضاً» عما تعرضت له جولته على الجبل حيث «انفجرت» حادثة قبرشمون خلال وقفة اعتراضية على زيارته لبلدة كفرمتى.
وفي رأي هذه الأوساط، أن نجاح جولة باسيل قد يشكّل عامِلاً مُساعِداً بالمساعي المستمرة لإنهاء ذيول أحداث الجبل التي اتخذت على المستوى الأمني شكْل اشتباك بين مناصري الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبين موكب الوزير صالح الغريب (من حزب النائب طلال أرسلان) ولكنها وقعت في بُعدها السياسي بين باسيل و«الحزب التقدمي الاشتراكي» (يقوده جنبلاط) على خلفيةٍ تراكُمية من التباينات السياسية، الأمر الذي يدْخل في الحساب في أي تسويةٍ وما قد تُمْليه من خطوات تتجاوز إحالة الملف على المجلس العدلي أم لا.
وفي هذا السياق لم يتم التعاطي مع كلام نصرالله عن هذا الملف ودعمه لحليفه ارسلان في مطلب الإحالة على «العدلي» بوصْفه «منطقياً وعادلاً» على أنه في سياقٍ تصعيدي بل في إطار المؤازرة بحثاً عن مَخْرج، بعدما أكد الحرص على الاستقرار رافضاً اعتبار تعليق جلسات الحكومة تعبيراً عن قرار بالتعطيل ومعلناً التمسك بالرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة وعدم وجود أي نية لإسقاطها.
وإذ ترافق موقف نصرالله مع تبني «حزب الله» لحلٍّ لملف أحداث عاليه يقوم على «معالجة قانونية تصالحية على الطريقة اللبنانية»، لم يكن ممكناً أمس، تبيُّن حقيقة الخيط الأبيض من الأسود في المناخ الذي أشيع عن تقدُّم خيار «المجلس العدلي بالتوافق» وهو الخيار الذي كان يرْفضه جنبلاط ويلاقيه في ذلك رئيس الحكومة ورئيس البرلمان نبيه بري وحزب «القوات اللبنانية» وآخرون، في ظلّ استمرار الرهان على استكمال مهمة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بإقناع أرسلان بتسليم مطلوبين أو شهود من فريقه ليكتمل «بازل» التحقيق الأمني إيذاناً بتحديد طبيعة ما حصل في قبرشمون وهل كان مخططاً وكميناً أو مجرد اشتباك وإشكال أمني.