Site icon IMLebanon

حادثة قبرشمون وَحَّدت مكوِّنات «14» آذار ولكن…

كتب جورج حايك في “الجمهورية”:

 

يترصّد جمهور 14 آذار كل ما يعيد الروح إلى اللحظة التي أدّت إلى ولادة ثورة 2005، وما حصل في قبرشمون أعاد اللحمة والتنسيق إلى مكوّنات 14 آذار: التقدمي الاشتراكي، القوات اللبنانية وتيار المستقبل. فالتحديات كبيرة والمواجهة مع المحور الآخر تتطلب المزيد من التكاتف والتضامن بين هذه المكوّنات، فهل استعادت 14 آذار مقوّمات الحياة؟
مبررات كثيرة استوجبت التحرّك السريع لمكوّنات 14 آذار بعد حادثة قبرشمون، في مقدّمها الشعور باستفراد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومحاصرته سياسياً في عقر داره. لا شك انّ مناصريه ما زالوا يحافظون على مبادئ 14 آذار ويلتقون مع مناصري المستقبل والقوات على العناوين نفسها.

لكنّ اوساط الاشتراكي تدرك انّ المرحلة مختلفة عن لحظة 14 آذار 2005 محلياً واقليمياً ودولياً، وأنّ التسوية السياسية مستمرة بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. لذا، من الصعوبة أن يتغيّر المشهد السياسي. ويعتبر الاشتراكيون انّ ثمة ثوابت تجمعهم مع القوات، أهمها أولاً التصدي لمحاولات إعادة احياء النظام السوري في لبنان، ثانياً الحفاظ على مصالحة الجبل وقد تُرجمت بالتواصل مع القوات والكتائب والأحرار وزيارة الكنائس. ويؤكّدون انه ليس هناك اتجاه إلى الاستقالة من الحكومة إنما ينتظرون ما ستؤدي اليه الاتصالات.

من جهة أخرى، تتفق القوات اللبنانية مع الاشتراكي على أنّ 14 آذار التنظيمية والإدارية كانت مرحلة سياسية تفكّكت مع الوقت، لكنّ روحها السيادية العابرة للطوائف لا تزال حيّة.

الوضع السياسي اليوم لا يشبه الوضع الذي كان سائداً عشيّة 14 آذار، بحسب قيادة القوات، والانقسام العمودي بين 8 و14 آذار ليس موجوداً. وبالتالي الرئيس ميشال عون الذي كان رأس حربة لقوى 8 آذار أصبح في قصر بعبدا ولا تنطبق عليه مبادئ 8 آذار اليوم، والتيار الوطني الحر الذي يترأسه جبران باسيل يخوض نزاعاً سياسياً مع ركنين أساسيين في 8 آذار هما سليمان فرنجية ونبيه بري، ويتحالف مع ركن أساسي في 14 آذار هو سعد الحريري. اذاً، تعتقد القوات أنّ التموضعات السياسية مختلفة جداً عن الاصطفاف السابق في إطار 8 و14 آذار.

لكنّ القوات لا تستبعد أن يعود هذا الانقسام العمودي في ظروف قاسية كحرب أميركية إيرانية، قد تفرض «تَموضع» «حزب الله» في البلد خلافاً للإرادة الوطنية. أمّا في الوقت الحاضر فليس هناك أي حدث سياسي كبير يفرض ديناميته ليأخذ القوى إلى انقسام عمودي.

لا يبدو موقف تيار المستقبل بعيداً عن الاشتراكي والقوات في ما يخص استعادة دور 14 آذار، وترى أوساط المستقبل انّ 14 آذار كانت مرحلة رائعة في تاريخ لبنان عندما التقى الجميع تحت العلم اللبناني. وتؤكد انّ إنعاش روح 14 آذار يحتاج إلى حوار معمّق بين القيادات المعنيّة، الّا انّ الظرف السياسي غير مساعد حالياً.

وتعتبر أحزاب القوات والاشتراكي والمستقبل انّ ما حصل في قبرشمون أعاد التضامن بين القوى الثلاث، من دون إغفال دور بري وفرنجية الساعيين إلى التهدئة. والتضامن بين الأحزاب الثلاثة سيستمر في التحديات ذات الطبيعة السيادية كسلاح «حزب الله» ودور لبنان الخارجي، واستهداف ايران للدول العربية، والتطبيع مع النظام السوري. لذلك تسجّل تقاطعات بينها داخل الحكومة، لكنّ الأمور لن تذهب أبعد في المرحلة الراهنة.

لا شك انّ مكوّنات 14 آذار الثلاثة تتلاقى على الأهداف نفسها، لكن رغم تعرّض التسوية إلى هزّات ما زال الجميع متمسّكاً بها بهدف تعزيز الاستقرار السياسي وما يتفرّغ عنه من استقرار أمني واقتصادي واجتماعي.

أمّا معارضو التسوية، ومنهم أحد الشخصيات الأساسية في 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، فيرى انّ الجسم اللبناني أصيب منذ عام 2005 حتى اليوم بعَطب سياسي يتمثّل بعودة الطوائف اللبنانية إلى مربعات طائفية كأنها مجموعات مستقلة الواحدة عن الأخرى، ما أدى إلى انقسام داخل كل طائفة لمصلحة الطائفة مميّزة عن الآخرين بسبب امتلاكها السلاح وعلاقاتها الإقليمية.

يعتبر سعيد انّ 14 آذار هي فكرة وَحّدت اللبنانيين مسلمين ومسيحيين. أمّا ما يجري اليوم فهو إعادة تكوين ثنائية طائفية تحكم البلد، وهي بالتحديد ثنائية مارونية-شيعية ممثلة بالتيار الوطني الحر و»حزب الله»، ما أدّى إلى تهميش الطائفة السنية وخروجها من المسرح الوطني والسياسي إلى حد بعيد. إضافة إلى محاصرة الطائفة الدرزية لأنها رفضت تحالف الأقليات في السويداء وجبل لبنان.

يؤكد سعيد انّ هذا الوضع ينسف الوحدة الداخلية، وبالتالي ينسف فكرة 14 آذار، وعندما يكون هناك طوائف مميزة وطوائف مهمشة لا يعود هناك إمكانية لإعادة تكوين 14 آذار.

يُبدي سعيد وبعض شخصيات 14 آذار المستقلة قلقهم من هذه المعادلة المرتكزة على التحالف الماروني الشيعي، وبالتالي بات «حزب الله» صاحب القرار لموقع لبنان في الصراع العربي الإسرائيلي وموقعه بالصراع العربي الإيراني وبأحداث سوريا. من جهة أخرى، يلفت سعيد الى انّ التيار الوطني الحر سلّم «حزب الله» القرار الاستراتيجي مقابل مكاسب داخلية على مستوى السلطة، بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية وصولاً إلى تعيين مأمور أحراش!

لا يرى سعيد أيّ أمل بإعادة تكوين 14 آذار في الوقت الحاضر، وكل المحاولات التي حصلت منذ التسوية حتى اليوم باءت بالفشل لأنّ 14 آذار تتجاوز التحالف التنسيقي والإداري بين الأحزاب والشخصيات، وباتت فكرة العيش المشترك مضروبة بفِعل الثنائية الشيعية-المارونية التي تتحكّم بمفاصل الحياة الوطنية.