Site icon IMLebanon

الحاجة إلى الأموال… أُمّ الفوضى

كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”:

عشرات آلاف المخالفات في قطاع البناء لا ترى فيها الدولة في زمن القحط، إلا مصدراً واعداً لتحصيل الأموال. فلسفة “الدولة الجابية”، تطغى على ما عداها، ولو أن المبرّر إنساني، ويداعب أحلام المخالفين بوجود سلطة رؤوفة رحيمة ستسمح للمرة الأخيرة بشرعنة المخالفات. “فهذا المشروع إذا تمّت تسوية مخالفات البناء فيه، يجب ألا يفهم منه أنها عادة سيتمّ اللجوء اليها دائماً”. وذلك بحسب التصريح الصادر، بعد مصادقة اللجان النيابية المشتركة على مشروع القانون الرامي الى تسوية مخالفات البناء الحاصلة خلال الفترة الممتدة من 13/9/1971 ولغاية تاريخ 31/12/2016 ضمناً.

العودة الى الماضي القريب تُظهر أن المعنيين أقروا خمسة قوانين مشابهة في الأعوام 1964، 1979، 1983، 1990، 1994، أجازت كلها تسوية مخالفات البناء. وبمنطق الأمور، فان أي تسوية جديدة يجب أن تبدأ من تاريخ 1994 وليس العودة الى العام 1971، الأمر الذي يثبت أن التسويات الأربع التي أقرت بعد الـ 1971 لم تعط نتائجها المرجوة، لا في إسراع المواطنين بتسوية مخالفاتهم ولا في وضع حد للمخالفات الجديدة.

الشرعنة القاتلة

في مرحلة ما بعد العام 1990 شيد المواطنون أبنية، وأضافوا طوابق وغرفاً على ممتلكاتهم، استناداً إلى تعاميم استثنائية كانت تصدر عن وزارة الداخلية والبلديات، أو بتوصيات من النواب النافذين ممن “يمونون” على مسؤولي الأجهزة الامنية بتغطية مخالفات، وغض النظر عن إضافات بسيطة من هنا وهناك. وكانت العملية تتم على قاعدة تسيير أمور المواطنين، وعدم حرمانهم من حقهم بامتلاك منزل. وبحسب أحد المصادر الأمنية، “فإنه من المستحيل وضع حجر خفان من دون تغطية. فالتستر وعدم الإبلاغ عن جريمة، قد يكون أسهل من التستر على مخالفة بناء”.

المشكلة في القانون الجديد القديم، لا تكمن فقط بتشريع الفوضى، وطمأنة المواطنين على أن كل المخالفات ستتم تسويتها في يوم من الأيام، انما المشكلة الفعلية هي في شرعنة مختلف المخالفات من دون أي دراسة فعلية، أو استثناءات موضوعية لأبنية وطوابق (مشقوعة) فوق بعضها البعض، تشكل خطراً على السلامة العامة، وتشويهاً للمنظر، وتعدياً على التنظيم المدني، والأهم خطراً على أصحابها. فكم من عائلة دُفنت تحت أبنية لا تطابق المواصفات؟ وهو ما يزيل حسن النية عن مشروع القانون، وادعائه بالاهتمام بمصالح بسيطي الحال من المواطنين، ويضعه حكماً في خانة “الاستقتال” على جباية الأموال وتعزيز الايرادات. أولم ترتكز لجنة المال والموازنة في تقريرها النهائي على احتساب 200 مليار ليرة من تسوية مخالفات البناء، كأحد الإنجازات في تخفيض عجز الموازنة؟

القانون المسخ 

وزّع القانون الإيرادات المزمع تحصيلها من تسوية المخالفات على ثلاث جهات كالتالي: 40 في المئة حصة الخزينة، و30 في المئة حصة البلديات ذات الصلة، و30 في المئة حصة المؤسسة العامة للإسكان. بعد أن كان قد قرر سابقاً إعطاء 80 في المئة للخزينة و20 في المئة للبلديات.

هذا من ناحية الإيرادات، أما من ناحية تسوية المخالفات فيحق لكل مواطن تسوية مخالفاته وشرعنة عقاره، طالما لا توجد أي تعديات على الأملاك العامة أو الخاصة، ولا توجد شكوى بحق المخالف. وقد أعطى القانون سلة من الحوافز والتسهيلات، منها:

إعفاء بنسبة 40 في المئة من الغرامات، لكل مخالف يتقدم لتسوية مخالفاته خلال فترة سنة، شرط أن يسدد المبالغ المترتبة عليه خلال مهلة الأشهر الثلاثة الأولى بعد إنجاز التسوية. منح حسومات على الرسوم والغرامات المتوجبة بنسبة 50 في المئة على المخالفات الواقعة لغاية العام 2002، و40 في المئة لغاية العام 2006، و30 في المئة لغاية العام 2011. وذلك على اعتبار أن الاسعار الرائجة للأرض والعقارات في ذلك الوقت كانت أقل. كما منح القانون المخالفين إمكانية تقسيط المبالغ المترتبة على ثلاث دفعات.

تشريع الأمر الواقع 

“لم نفرح بتشريع الخطأ” يقول النائب بلال عبدالله، ويضيف أن “المجلس النيابي وافق على القانون على مضض في آخر جلسة تشريعية، وذلك تحت ضغط ثلاثة أمور أساسية وهي: إيقاف المخالفات المستقبلية، تأمين إيرادات للدولة والاهم تسهيل عمليات حصر الإرث ونقل الملكية”. وعن عدم مراعاته للسلامة العامة، توقع عبدالله، أن “يُلحظ هذا الموضوع في المراسيم التطبيقية التي ستصدر لاحقاً، من خلال إعطاء دور للتنظيم المدني والبلديات في مراقبة التطبيق”.

على قاعدة “من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب” لا يعوّل الكثير من الجهات على نتائج هذا القانون. فالأرقام المتوقع الحصول عليها نسبية، وهي ترتكز على تسوية جميع المواطنين لمخالفاتهم، وهو ما لن يتحقق طالما أن تشريع “غب الطلب” الذي حدث في الماضي سيحدث في المستقبل.