كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
باستثناء ما كشف عنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة مساء الجمعة الفائت، لا معطيات تفصيلية عن العرض الأميركي إلى “الحزب” وقنوات الاتصال بينهما. يكفي أن يعلن نصرالله الخبر كي يكون حقيقة لا تحتمل النقاش وإعلانه يعني أنه حصل منذ مدة زمنية غير بعيدة خلال ولاية الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
وتقول مصادر متابعة إن الرسالة حملتها شخصية اميركية من اصل لبناني تتردد على لبنان بين وقت وآخر، وسبق والتقت شخصية مقربة من “حزب الله”. وتأتي أهمية إعلان الامر الآن مضاعفة، لتزامنه مع العقوبات الأميركية الجديدة على “الحزب”، ما أربك المراهنين عليها والذين وضعوها في باب الرد على فشل ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل. وهو ما ينفيه “حزب الله” الذي لا يرى أي تلازم بين الأمرين بل يجد أن مثل هذا الاعتقاد هدفه تجنّب تحميل اسرائيل مسؤولية إفشال المفاوضات.
ليست المرة الأولى التي يكشف فيها نصرالله عن مسعى أميركي لفتح قنوات إتصال مع “الحزب”. لطالما اعتاد الاميركي العمل على خطين متوازيين، لاسيما حين يكون الأمر متعلقاً بمحور إيران – سوريا – “حزب الله”. ويعتمد على أجندتين، واحدة فوق الطاولة تتحدث عن ضغوط وفرض عقوبات، وأخرى تحت الطاولة معاكسة تماماً، يسعى من خلالها إلى فتح قنوات حوار وتلاقٍ وإرسال رسائل تعاون وتبادل رؤى.
هي لعبة المصالح التي توليها الإدارة الأميركية أهمية على مختلف التزاماتها الأخرى، سواء تجاه حلفاء أو أصدقاء أو من لفّ لفهم، على ان عروضها المستترة تكون محاطة بسرية تامة وبعيدة من الأضواء، وتستخدم لمهمتها أطرافاً غير متوقعين.
هذا ما حصل مثلاً في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عندما قصد الصحافي الاميركي من أصل لبناني جورج نادر “حزب الله” متقدّماً بطلب إجراء مقابلة صحافية لمجلة اميركية. وحين انتهى من إجراء المقابلة طلب الجلوس على انفراد مع السيّد نصرالله لينقل إليه رسالة من نائب أوباما آنذاك ديك تشيني تقول: “تخلوا عن المقاومة ونقدّم لكم في المقابل 500 مليون دولار لإنماء الجنوب على أن ينال “حزب الله” الى جانب ذلك حصته من التعيينات الإدارية ويعزّز وجوده في الدولة مقابل السير في ركاب الصلح والسلام مع اسرائيل”. رفض “حزب الله” العرض كلياً.
عرف عن هذا الصحافي في حينه دوره في الوساطة بين ترامب ومسؤولين في الامارات والسعودية.
كما شهد عهد أوباما أكثر من طلب أميركي للاجتماع بمسؤولين في “حزب الله” من قبل موفدين صحافيين أو أعضاء سابقين في الكونغرس الاميركي أو رجال أعمال، يطلبون التواصل على أساس أنهم مكلفون رسمياً بنقل رسائل أميركية معينة الى “الحزب” أو على سبيل المبادرة الى عرض ايصال صوت الأخير الى المسؤولين الاميركيين.
ولطالما كان “حزب الله” يرفض أي نوع من التواصل ومهما اختلفت العناوين، حتى انه يرفض مجرد فكرة الاتصال بالادارة الاميركية. وعلى الرغم من الحملات الإعلامية التي كان يشنها السفراء الاميركيون السابقون في مواجهة “حزب الله”، كان يزورهم السفير البريطاني للقاء مسؤولين في “الحزب” ويقول إن ما سيقوله باسمه وباسم السفير الاميركي.
ليس بالأمر الجديد إذا، ولا المفاجئ بالنسبة لـ”الحزب” طلب الولايات المتحدة الانفتاح عليه أو بعث رسائل بمضامين مختلفة، هي “تبحث عن مصالحها وتلجأ الى عملية تدوير للزوايا رغم وجود حالة عداء مع “حزب الله”، تفرض عقوباتها على مسؤوليه ونوابه، تشنّ حملات إعلامية في مواجهته وتذهب إلى طلب مفاوضته”. وفي تفسير مصادر “الحزب” للأمر أن “أميركا مستعدة لبيع حلفائها وأصدقائها عند أول مفترق”، وهي تتعامل بالمقابل مع “حزب الله” كقوة مهمة وأساسية في الشرق الأوسط، يجب الاتفاق معها أو الانفتاح عليها، لسعي اميركا الدائم الى ضمان أمنها وأمن اسرائيل كمقدمة لاستراتيجيتها في الشرق الاوسط.