في لقاء لافت من حيث الشكل والمضمون، يشكّل “سابقة” سياسية، اذا جاز القول، تحصل للمرة الاولى في تاريخ العلاقات اللبنانية – السعودية، استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في قصر السلام، اليوم، ثلاثة رؤساء حكومات لبنانية سابقين، هم فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي، على مدى 35 دقيقة، قبل ان ينتقلوا للاجتماع الى ولي عهده الامير محمد بن سلمان.
لسبر أغوار زيارة الوفد اللبناني الى المملكة وتكوين فكرة عن أبعادها، لا بد من إلقاء نظرة على العوامل التي ساهمت في تأسيس هذا “التجمّع” السنّي، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. ففي أعقاب الانتخابات النيابية الاخيرة، وإبان “جلجلة” تشكيل الحكومة، دارت معارك سياسية، بعضها صامت وبعضها الآخر علني، بين أكثر من طرف، لكن أهمّها بين بعبدا والسراي، حول دور كلّ منهما وصلاحياته، في هذه العملية. وحتى بعد إبصار مجلس الوزراء الجديد، النور، لم تتوقف هذه السجالات، حيث أخذ أكثر من فريق على رئيس الحكومة سعد الحريري، تساهله مع شريكه في التسوية الرئاسية، التيار الوطني الحر، بحيث سمح له بفرض إيقاعه وتوجّهاته على عمل الحكومة وأجندتها، وقد رأوا في ذلك تجاوزا لصلاحياته. أما اليوم، فالاصوات ترتفع، من جهات سياسية وليس فقط من داخل البيئة السنية، ضد محاولة البعض فرض بنود معينة، على جدول اعمال الجلسة الوزارية، للمشاركة فيها، معتبرة ان من حق رئيس الحكومة وحده تحديد جدول اعمال الجلسة.
مواكبة لهذه التطورات التي تمسّ السراي بالمباشَر، رصّ رؤساء الحكومات السابقون الصف. وقد أسرعوا إبان كل من هذه المحطات، الى بيت الوسط، مؤكّدين وقوفهم الى جانب الرئيس الحريري ومتمسّكين بصلاحياته ورافضين المساس بها من قبل أي كان، كون صونها ضروريا لحماية “اتفاق الطائف” والمعادلة التي أرساها. اما التفريط بالتوازنات الداخلية الدقيقة، ففد يعرّض الاستقرار اللبناني السياسي، لانتكاسات “سياسية” فقد تتحول “أمنية”، على المدى الطويل.
وسط هذه المناخات السياسية تحديدا، وبعد تنسيق مع الرئيس الحريري، توجّه الرؤساء الى المملكة. يمكن القول ان زيارتهم طابعها “سنّي” أولا، يتعلّق بالبحث في كيفية تعزيز دور رئاسة الحكومة في اللعبة السياسية. وفي وقت برز تأكيد الملك سلمان للوفد ان “ما يمس أهل السنة في لبنان يمسنا في المملكة”، لا بد ان يكون الوفد طلب دعما سعوديا لهذا المسار – الذي يُعتبر “الطائف” الذي أرسي في المملكة بالذات، حجرَ زاويته- دعما يكون باستعادة المملكة حضورها الفاعل السابق، على الساحة اللبنانية من خلال الاستثمارات والاموال ودعم المؤسسات والسياح، بما يشكّل دفعا قويا للرئيس الحريري. اما استمرار المحور الاقليمي الثاني، بدعم حلفائه المحليين ومدّهم بالمال والسلاح، وسط انكفاء تام للسعودية، فسيبقي بطبيعة الحال، الميزان الداخلي مختلا لصالح هؤلاء.
لكن اللقاء سيكون له ايضا، طابع وطني سياسي، أوسع. فالرؤساء الثلاثة يحملون معهم موقفا واضحا الى المملكة، يقول بأن لبنان ليس مناهضا للعرب ولا لتوجّهاتهم، بل هو جزء لا يتجزّأ من الأسرة العربية. وهم سيعيدون التذكير بأن الحكومة اللبنانية تلتزم سياسة النأي بالنفس والقرارات الدولية كلّها وعلى رأسها الـ1701 والـ1559. وفي وقت سيشيرون الى ان الدولة “براء” من كلّ من يخرق هذه السياسات، سيدعون الرياض الى تفهّم الواقع اللبناني المعقّد هذا، والتعاطي معه بمرونة، فتقرن، رغم هذه الشوائب، الوعود التي أطلقتها في الاشهر الماضية، بدعم بيروت ومساعدتها، بالأفعال العمليّة على الارض.