كتب بشارة شربل في صحيفة “نداء الوطن”:
لا أدري هل شاهد الرئيس ميشال عون التلفزيون ليلة الجمعة، أم خلد الى النوم قبل المقابلة المطوّلة للزميل القدير عماد مرمل مع الأمين العام لـ “حزب الله”. وعلى افتراض ان الرئيس لم يتابع “المنار” مباشرة فأضعف الايمان ان يحضر اعادة البث عند الصباح، ذلك ان الحديث انتظره المواطن العادي القلق على مستقبل لبنان وبديهي ان يقلق الرئيس. وإذ أجمع المراقبون على أهمية المتكلم وهدوء الكلام، فإنّهم تركوا لفخامته وكل المشاهدين السؤال الكبير: من يحكم لبنان؟
ولا اعتقد ان فخامته كان ممتلئ السعادة برؤية “رئيس الظل” يفصِّل ويقصّ في الكبيرة والصغيرة بدءاً من محاذير الحرب الاقليمية على مستقبل ترامب وانتهاء بمهاجمة وليد جنبلاط والانتصار لعدوان كسارة فتوش على البيئة وأهل عين دارة.
ولعلّ الرئيس انتبه الى انه القائد الأعلى للقوات المسلحة ورأس الجمهورية حين أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” ان تدخّل عسكره في سوريا مستمر وقابل للتجديد والتكثيف اذا طلب منه ذلك رئيس آخر لا يسكن بعبدا بل قصر المهاجرين.
ولا أتخيّل ان رئيسنا كان منشرحاً أثناء إعلان السيد مباشرة أو بين السطور بأن أي حرب تخوضها ايران ستشعل المنطقة وتدمّر “مدن الزجاج في الامارات” وينخرط فيها لبنان كوننا “جزءاً من هذا المحور وقد امتلأنا سلاحاً” لمواجهة التحديات.
لن أدخل في نيات الرئيس ومشاعره. لكنني موقنٌ أنه يتذكر يوم كان قائداً للجيش، ثم في “قصر الشعب”، وخوضه حروباً تحت شعار تحرير لبنان من الاحتلال واستعادة سيادة الدولة من الميليشيات. واذ تخونه ذاكرته القريبة قليلاً، فإنّها لا تحرمه من الإنتباه الى انّه رئيس “العهد القوي” وصاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية ويملك صلاحيات كافية توجب عليه احتراماً للدستور ممارسة الرئاسة في المجالات كافةً وليس انتظار زعيم حزبٍ يملي على البلاد استراتيجية السياسة والأمن والدفاع ويخبره جزءاً ممّا يعلم ويخفي عنه اسراراً خشية ان تذاع.
لا يكفي رئيس الجمهورية الحديث عن تكامل بين الدولة والمقاومة وتبرير السلاح في كلّ مناسبة. فالموقع ملك اللبنانيين، وحقهم عليه ان يكون صاحب القرار الأول ضمن المؤسسات. وإذ لا يطالبه أحدٌ بالانقلاب على تحالفاته أو الاصطدام بفريق، فإنه مطالب، على الأقل، بالسعي الجدي الى “استراتيجية دفاعية” تنتهي بحصر قرار السلم والحرب في يد الدولة اللبنانية.
مَنْ عرف ميشال عون يعلم تماماً ان حال الرئاسة والعهد لا يمكن ان ترضيه. فهو لم يحلم يوماً بكرسي بعبدا الا ليكون حاكماً فعلياً وليس مجرّد شريك، وهو لم يصل بعد مسيرة طويلة لتقتصر انجازاته على تعييناتٍ لمسيحيين أو انتزاع حصة وزارية وازنة لجبران باسيل… اللهم إلا اذا كانت الواقعية السياسية المفرطة دمّرت ما تبقى من “الجنرال المتمرّد” وأدخلته، تحت شعار التوريث، نفق المساكنة المؤذية لكلّ اللبنانيين.