IMLebanon

ليس بـ”الأبوّة” تُنصَف النساء

كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:

هؤلاء النسوة بناتي». هذا ما قاله الأمين العام لأوقاف الطائفة الشيعية حسن شريفة، قبل أربعة أشهر، أثناء لقائه وفداً من الأمهات اللواتي التقين به على هامش تنفيذهن تظاهرة «غضب الأمهات» أمام المجلس الإسلامي الشيعي، احتجاجاً على الغبن اللاحق بهنّ، جرّاء قرارات المحاكم الجعفرية من جهة، وللمطالبة برفع سنّ الحضانة لدى الطائفة من جهة أخرى.

حينها، قال الشيخ كلمته في سياق «الوعظ» بأنّ المُطالَبات «لا تكون بالشارع»، وأنّ «باب المجلس مفتوح لهنّ»، باعتباره «أباً» يحدّد للمرأة «الابنة» الأماكن التي يجب أن ترتادها لتنال حقوقها.

لم يبتعد «منطق» شريفة كثيراً عن النقاش الذي أثارته حادثة تعرّض ابنة النائب في كتلة «الوفاء للمقاومة» نواف الموسوي، قبل يومين، للمطاردة على الطريق الدولي في منطقة الدامور من قبل طليقها، مُهدّداً حياتها وحياة من معها في السيارة (أختها وأولادها، وفق ما أظهرت مقاطع الفيديو المصورة التي رافقت الخبر)، وما رافقها من ردّ فعل من قبل الموسوي (قيل إنه تعرّض لطليق ابنته في مخفر الدامور). ذلك أنّ النقاش بشأن «تقييم» ردّ فعل الموسوي لم يخرج عن إطار «الأبوية» التي دفعته إلى محاولة انتزاع حق ابنته، بعدما فشلت المحاكم الدينية في إنصافها (الإشكال وقع على خلفية الحضانة وحق المشاهدة للأطفال)، في ظلّ «خضوع شبه تام» يبديه القضاء المدني أمام القضاء الشرعي المعتكف بدوره عن اتخاذ أي إجراءات إصلاحية تجنّب الأمهات والنساء غبن الأحكام «المهترئة».

الحادثة لا تتعلّق بالموسوي «الأب الرجل» الذي يريد حماية ابنته، ولا بالموسوي «الأب النائب» الذي استخدم نفوذه واقتحم مخفر الدرك، مستفيداً من فرصة لم يحظَ بها عشرات الآباء الذين لا يملكون «ترف» الانتقام بأيديهم. بل هي، أولاً وأخيراً، تدور حول «النظام» الذي يُسلِّم بأنّ هناك «ابنة» تحتاج إلى «أب» يدافع عنها، سواء كان شيخاً يحدد لها أين تطالب بحقوقها، أو نائباً يقتحم مخفراً، تسليماً منه بعدم إمكانية إنصاف «الدولة» لها.
قبل أقلّ من سنة، أثناء مُشاركته في المؤتمر التشاوري الوطني حول تزويج الطفلات والأطفال في لبنان (3 كانون الأول عام 2018)، بكى الموسوي أثناء إقراره بأنه كـ«نائب» لم يستطع حماية ابنته ومساعدتها على رؤية أطفالها. كان ذلك ردّاً على إثارة إحدى الحاضرات وقتها مسألة معاناة النساء مع المحاكم الجعفرية في لبنان.

بهذا المعنى، تغدو هذه الحادثة تجسيداً لـ«تعاظم» قوة السلطة الدينية التي ما كانت لتنمو لولا امتهان السلطة التشريعية الخضوع الكامل لها، طمعاً منها بمكتسبات الدولة «الطائفية»، وهرباً من «وحش» الدولة المدنية (المفارقة أن طليق ابنة الموسوي هو ابن أحد المشايخ). ففي الدولة المدنية، لا توجد «ابنة» تلوذ بـ «أب» يحميها، بل هناك امرأة تحتكم إلى قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، يُنصفها ويحول دون ابتزازها وإضعاف موقفها وإذلالها وتهديدها بحياتها. وفي الدولة المدنية، لا توجد أمّ تهدَّد بالسجن بسبب تمسّكها بأمومتها، ولا نساء «معلّقات» ينتظرن البت في طلاقهن منذ سنوات. والأهم، لا يوجد أطفال يتعرّضون لتهديدات جمّة تطاول حيواتهم وصحّتهم النفسية.

في المُحصّلة ستبقى النساء اللبنانيات عرضة للعنف ما لم توجد إمكانية للمسّ بمرجعية الأحوال الشخصية. فعلى كل من ينادي ضدّ هذا العنف، أن يكرّس حقّ المسّ بهذه المرجعيات، سواءٌ أكان مُشرِّعاً أم ناشطاً حقوقياً.