تشكّل «ثلاثيةُ» مناقشةِ مشروعِ موازنة 2019 في البرلمان اللبناني التي تنطلق غداً، محطةً تنْطوي على أكثر من اختبارٍ مالي – سياسي في ضوء الآمال المزدوجة المعلَّقة عليها أوّلاً لضمان إقرار موازنةٍ بأرقام مخفَّضَة للعجز على النحو الذي يبدّد شكوك المؤسسات الدولية بجدّية بيروت في وضْع البلاد على سكة «الهبوط الآمِن» المالي، وثانياً لضخّ «جرعةِ تهدئةٍ» إضافية في سياق المساعي الرامية إلى فكّ احتجاز جلسات الحكومة وفصْل مسار عملها عن المحاولات المستمرّة لإيجاد مخْرج سياسي – أمني – قضائي لأحداث الجبل التي وقعت قبل أسبوعين وعطّلت مجلس الوزراء.
وفيما «يكمن» لجلساتِ مناقشةِ الموازنة (الثلاثاء والأربعاء والخميس) تَحَرُّكٌ متجدّدٌ لقدامى القوات العسكرية الذين توعّدوا بمنْع النواب من الوصول الى مقرّ البرلمان غداً احتجاجاً على بنود تمسّ رواتبهم التقاعدية وتعويضاتهم، فإن ثمة ترقُّباً لما إذا كانت «ثلاثية البرلمان» سـ «تنجو» من لعبة المزايدات الشعبوية في مقاربة نقاطٍ جوهرية تسمح بإبقاء العجز ضمن الحدود المقدَّرة بـ 7.59 بالمئة أو أقلّ بما يؤّهل لبنان لبدء الاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر» البالغة نحو 11 مليار دولار، أم أن الأمور سـ «تخرج عن السيطرة» تحت وطأة ضغط الشارع وطغيان حسابات سياسية وحزبية يمكن أن تترك تداعيات بالغة السلبية على صورة لبنان الموضوع تحت «الرقابة» الدولية.
وبالمقدار نفسه من الترقب، يتمّ رصْد مسألتيْن ستفرضان نفسهما على جلسات الموازنة:
الأولى إذا كان حضور الحكومة على مقاعدها في البرلمان سيشكّل «بروفة تهْدوية» يمكن أن «يبني عليها» رئيس البرلمان نبيه بري، الساعي لحلّ تسْووي لملف حادثة قبرشمون يعيد انضباط اللعبة السياسية تحت سقف «ستاتيكو» الانتظار والواقعية ويحتوي «الحروب الجانبية» ويسمح بفكّ أسْر الحكومة المدعوّة أساساً لإيجاد «ممرّ» لاجتماعٍ لا بدّ منه لإنجاز قطوعات الحساب الضرروية لإقرار موازنة «مكتملة المواصفات» الدستورية، وتفادي تالياً «وصْفاتٍ التفافية» قد تعرّضها للطعن.
وفيما يُنتظر أن تشهد الأروقة الخلفية للبرلمان اجتماعاتٍ «يهنْدسها» بري لتفكيك ما أمكن من «ألغام» ما زالت تعترض طريق الخروج من «فخّ» أحداث الجبل، يفترض أن تشكّل الساعات الفاصلة عن يوم غد فرصةً لمزيد من اللقاءات على أكثر من جبهةٍ أبرزها: إكمال أرضية التفاهم على صيغةٍ تسمح بطمأنة النائب طلال أرسلان لتسليم مطلوبين من حزبه لسماع أقوالهم في الاشتباك الذي وقع مع مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط) وتخلله مقتل اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب (من حزب أرسلان) من دون تقييد هذا التسليم، ولو اتخذ صفة «سماع شهود»، بشروطٍ تفرّغ دور الأجهزة الأمنية في تكوين كامل الصورة عما حصل في 30 يونيو (خلال الوقفة الاعتراضية على زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل لبلدة كفرمتى)، وتوحي تالياً بأن ثمة «مضبطة اتهامية» مسبقة بحق «التقدمي» (سلّم مطلوبين للأجهزة الامنية) تحسم فرضية الكمين المخطَّط له لاغتيال وزير وتالياً ضرورة إحالة الملف على المجلس العدلي وهو ما يرتاب منه جنبلاط بقوة.
وفيما عَكَس جنبلاط بعد لقائه «الممتاز» مع رئيس الحكومة سعد الحريري عصر السبت تَمسُّكه بـ«التحقيقات أولاً» لرسْم حقيقة ما حصل على الأرض قبل تحديد الوجهة القضائية للملف مقابل إصرار إرسلان على مطالبته بإحالة القضية على «العدلي»، فإن موقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الداعِم لحليفه (ارسلان) في هذا الطلب بقي مدار تكهنات حول إذا كان «حزب الله» يدفْع بمركب «العدلي» من الخلف بهدف «تصفية حسابات» مع جنبلاط على خلفية تموْضعاته الاستراتيجية، أم أن الحزب «يقوم بالواجب» مع أرسلان في موازاة وقوفه مع المساعي التي يبذلها الرئيس بري لمخْرج على طريقة «لا غالب ولا مغلوب».
* أما المسألة الثانية التي يجري رصْدها في سياق جلسات الموازنة فهي العقوبات الأميركية غير المسبوقة على رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد والنائب في الكتلة أمين شري، وسط ترقُّب إذا كانت هذه المسألة ستُطرح في مستهلّ الجلسات من باب دعوةٍ يتولاها بري للتضامن مع «المعاقَبين» بعدما كان وصف الخطوة الأميركية بأنها «اعتداء على مجلس النواب وكل لبنان»، واستطراداً معاينة ردّات فعل الكتل النيابية الأخرى ولا سيما في ظل معلومات عن أن مجموعات سياسية معارِضة للمحور الإيراني سترفع اليوم مذكرة تطالب بالفصل بين «حزب الله» والدولة وتضعها في عهدة الكتل البرلمانية في ظلّ توقعات بأن تتلقفها كتلة حزب «الكتائب اللبنانية».
وفيما كان «حزب الله» يعتبر على لسان قياديين فيه العقوبات الأميركية الجديدة (شملت ايضاً مسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا) «عدواناً وحرباً اقتصادية على المقاومة لدفْعها الى الاستسلام»، اتجهت الأنظار أمس الى جولة باسيل في الجنوب وخصوصاً أنه بدأها من منزل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بعدما بات الليلة في ضيافته.
وإذ استدعت هذه المحطة اللافتة أسئلة حول تأثيراتها الايجابية الممكنة على الوساطة التي يضطلع بها ابراهيم في ملف أحداث الجبل، إلا أنها اتخذت بُعداً آخر بعد الكشف عن أن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا حضر العشاء الذي جمع المدير العام للأمن العام ورئيس «التيار الحر» عشية جولة الأخير في مرجعيون – حاصبيا.
ورغم ان حضور صفا يمكن وضْعه في إطار مواكبة ترتيبات الزيارة ومقتضياتها الأمنية، إلا أنه لم يكن ممكناً التقليل من مغزاها كونها جاءت بعد أيام قليلة من إدراج صفا على لائحة العقوبات الأميركية، وهي الخطوة التي حيّد باسيل نفسه عنها، في تطور ربما يرتبط بالزيارة التي يبدأها في الساعات القليلة المقبلة لواشنطن للمشاركة في مؤتمر تعزيز الحريات الدينية الذي ينعقد ابتداء من الثلاثاء وسط رصْد لما اذا كان سيعقد أي لقاء مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أو يشارك في فاعليات مواكِبة للمؤتمر.
ولم تخلُ زيارة باسيل للجنوب، والتي ركّز فيها على «وجوب ان نعيش المساواة بين المسيحيين والمسلمين»، كاشفاً عن تقديم وزير العدل «مشروع مرسوم لوضع آلية تطبيق قانون المبعَدين (الى اسرائيل) الذين يحق لهم العودة وفق وضعهم وبالقانون»، من أشكال اعتراضية في حاصبيا حيث عمد مناصرون للحزب التقدّمي الإشتراكي الى رفع لافتات على الطرق تعبّر عن «رفض أعداء الوحدة الوطنيّة».